أعراس “على قد الحال” تغزو المجتمع السوري

  • 2017/12/24
  • 11:26 ص
عرس جماعي في قرية سجو برعاية منظمة iHH التركية - 3 تشرين الثاني 2017 (عنب بلدي)

عرس جماعي في قرية سجو برعاية منظمة iHH التركية - 3 تشرين الثاني 2017 (عنب بلدي)

عنب بلدي – صبا الكاتب

أسدلت الحرب السورية أستارًا قاتمة على سماء سوريا، حدّت من ارتفاع سقف أحلام الشباب والفتيات فيها، بل جعلت من أبسط تمنيات الشباب قديمًا ضربًا من الخيال حديثًا، فأعادت بعض الأسر السورية النظر في أمور كان نقض فرضيتها من سابع مستحيلات القرون الحالية، منها تعدد زيارات الأعراس الجماعية إلى مناطق سورية دون تمييز ما إذا كانت المنطقة تحت سيطرة المعارضة أو النظام.

طارد شبح العنوسة الفتيات في المجتمع السوري، فقاومنه بالتنازل عن تقاليد الحفلات المعتادة والتي تستدعي عند البعض الانفراد بعرس أحلامهن، وتضع أخريات عند مفترق طريق يحتم عليهن الاختيار بين زواج يزخرف بابه عرس جماعي أو انتظار لزواج فريد قد لا يأتي، ولو بعد حين.

أما شباب ما بعد الثورة، فقد نخلت الحرب جيوبهم مبقيةً فيها فتات أموال لا تغطي استئجار مكان حفلٍ فقط، ما دفعهم للإقبال على الأعراس الجماعية بعد أن وجدوا فيها ميناء الأمان لمصاريف لن يستطيع البعض الوفاء بها لسنوات.

حسام الأحمد (اسم مستعار)، طالت فترة خطوبته أكثر من سنة ونصف أجّل فيها الحفل أكثر من ثلاث مرات، وأنذره بيت أهل خطيبته في الأخيرة بتسريع إقامة العرس بعدما جاوز حسام حدود العادات الواجب فيها تقليص فترة الخطبة قدر الإمكان، لكن عسر أحواله المادية وإلحاح أهل خطيبته دفعه للالتحاق بركب عرس جماعي أقيم في محافظة ادلب.

قوبلت الفكرة برفض محتّم من أهل خطيبته، التي التزمت هي أيضًا خط الوسط بين معارضة لفكرة وجود عروسٍ أخرى في حفل أحلامها، وبين مشاعرها التي لا تصمت مذكرةً إياها بشوق لبيت واحد يجمعها مع حسام.

وساطة فقبول

كان من بين المشاركين بالحفل أسر عديدة تربطها بأهل خطيبة حسام أخوة النزوح والمعاناة فتوسطت لحسام، طالبةً منهم القبول فالأغلبية من شباب هذه الأيام لم يعد بمقدورها كفالة نفسها بنفسها.

وبعد أيام مضت كالسنين بالنسبة للعريس، استقبل حسام زغاريد خطيبته معلنةً موافقة أهلها، ومضى للحفل الذي امتدت يد العون إليه وبعده غامرةً بيته الزوجي بمستلزمات لم يكن وضعه المادي يسمح له بالتفكير بحيازتها.

وبالنظر إلى تنظيم العرس ومستلزماته، فهي لا تكلف العريس أو أهله مجهودًا ماليًا أو تنظيميًا، إذ تمسك بزمامها المنظمات أو الجمعيات الراعية للعرس الجماعي.

ويأتي هذا النوع من الأعراس على الضفة المقابلة من حفلات البذخ المتداولة في ظل الأزمة، لتنذرها بوجود أناس تحاول النهوض بصعوبة لتعيش حياة شبيهة بالطبيعية، وبالتالي فهي تقرع أجراس التوعية للشباب بإمكانية إقامة حفلات بدون صخب التبذير والتباهي والمظاهر وغيرها من السلوكيات العامة الخاطئة.

أما جيل الشباب القادم فقد تغيرت عنده فرضية الزواج بعيد المنال، بعدما زادت معدلات إقامة مراسم هذا النوع من الزواج في سوريا، ففي مناطق النظام السوري أجريت منذ عام 2014 ما يقارب خمسة أعراس جماعية، كان آخرها “ع الحلوة والمرة” الذي شارك فيه نحو 1000 شاب وشابة، في محافظة اللاذقية.

ولم تجمع الحفلات الجماعية الأسر فقط، بل تعدتهم لتشمل دمج الموروث الثقافي والعادات الاجتماعية بين أبناء المحافظات السورية المختلفة خاصةً بعد انتشار حالات التهجير والنزوح بينها.

وتحاول قيادات بعض المجموعات المسلحة، من خلال تنظيم هذا النوع من الحفلات، تشجيع العناصر المقاتلة في الساحة على ممارسة حياتها الطبيعية، ففي مناطق المعارضة أيضًا دخلت فكرة الأعراس الجماعية حيز التنفيذ، وطالت مناطق لم تكن تعترف بوجود العرس الجماعي قبلًا.

الباحثة الاجتماعية ميرنا الحسن، أوضحت لعنب بلدي أن أهالي محافظة إدلب كانوا يحاصرون العريس اجتماعيًا بفرضهم العرس الفردي عليه، إذ لم يكن محيطهم “المحافظ” ليتقبل هذه الفكرة المستحدثة إلا بعد إقامة الأهالي النازحين إلى المحافظة أفراحهم الجماعية.

الزاوية السوداء في الأعراس الجماعية

بعض الفتيات ممن شعرن بالسعادة قبل العرس الجماعي، تسلل الندم إلى قلوبهن بعده، إذ لم يجدن فيه فانوس علاء الدين الذي يحقق الأمنيات، فالحصول على اهتمام حاضري الحفل والتفرد بأنظار الجمهور أفكار سلبية مازالت تقض مضجع العديد منهن.

وبعد عدة أشهر من زواج حسام وأثناء تذكرهما لحفل الزفاف جاء تصريح زوجته (نهى) له كالصاعقة، حيث الحسرة على قبول الاشتراك بالحفل الجماعي طغى على مشاعرها، فالانتظار لسنوات أفضل، من وجهة نظر نهى، من التدافع بينها وبين قريناتها لأخذ الأنظار والتصفيقات.

يتعمد منظمو الأعراس الجماعية في بعض الأحيان، وخاصة إذا كانوا من رؤوس المجموعات المسلحة إلى تصوير الحياة في ظل الأزمة السورية على أنها وردية، ففكرة مواصلة الجنود حياتهم الطبيعية جنبًا إلى جنب مع مواصلة القتال أمر مستحب، يحفزهم على مواصلة عملهم كأي إنسان عادي برأيهم.

أبهر نجم الشهرة بعض ممولي الأعراس ودفعهم إلى تبني تمويلها، تارةً لإظهار نفوذهم، وتارةً لأغراض دعاية وتسويق تمسك بأيادي كل وسيلة إعلامية داعيةً إياها لتغطية هذا الحدث وإظهارها فيه.

أما نظرة المجتمع المصغرة، فلا بد لها من ملاحقة المشاركين فيه، لتحذرهم من تجاوز أسوار عادات وتقاليد تلزمهم بالقيام بعرس منفرد يظهر وسع حالتهم المادية رغم ضيقها في بعض الأحيان.

جذر الفكرة وثمارها

في حديث لعنب بلدي مع تمام أبو الخير، أحد القائمين على عرس جماعي، وهو ناشط سوري من داريا، أوضح لنا أن فكرة العرس الجماعي جاءت من اجتماع عدد كبير من شباب مقبلين على الزواج في نفس الوقت معظمهم من نازحي أهل داريا، جمعهم غياب المدخول الثابت في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها معظم شباب هذه الأيام.

فاتفق تمّام مع أربعة من الشباب على تنظيم هذا الحفل الذي أسهم بتزويج قرابة 62 شابًا، قدمت لهم معونات مادية غطت احتياجاتهم لما يقارب أربعة أشهر أو ربما أكثر بعد الحفل، بحسب قوله.

مباركة المجتمع وحضوره

أما فكرة العرس الجماعي فهي حديثة العهد بمجتمع الشمال السوري الذي، وفقًا للناشط السوري، لاقت الفكرة لديه ترحيبًا وتفاعلًا مع الفعاليات الجديدة فيها، كالعراضة وغيرها، والتي أظهرت رقيًا وتعاونًا اتسم به أهالي إدلب الذين أقيم الحفل بمنطقتهم.

ورغم نجاح العرس ومباركته من المجتمع إلا أن تمّام لا يحبذ إعادته، فلا بد برأيه من أن تلتصق به صفة “الفكرة المستهلكة” في حال تكراره وما يكسر جمود الفكرة إنشاء جمعية للزواج تساعد كل شاب على حدة.

ولم تغب الصعوبات عن حضور الحفل الجماعي فبعض الجهات الداعمة له كانت تطالب المنظمين بجعل شعارها علمًا يزيّن سماء الحفل، وداعم آخر استنكر عدم إبراز لوحته الدعائية كما أحب أن تكون.

خبير يثني على انتشار الظاهرة

وبحسب الخبير بعلم الاجتماع، محمود عثمان، فوجود منظمات المجتمع المحلي يعتبر أحد أسباب إقامة الأعراس الجماعية، فهي تريد بشكل من الأشكال مساعدة الأفراد، فتختار تمويل العرس الجماعي كأحد أوجه هذه المبادرة.

وعن آثارها تحدث الخبير عن كون الحفل الجماعي أحد الطقوس الإيجابية، من حيث تكافل الناس وتعاونهم أولًا، ومن ناحية إيجاد أبواب واسعة للفرح والسرور لتدخل عبرها إلى قلوب الناس، ألا وهي التقاؤهم بمكان واحد، فالإنسان بطبعه لا يتناول نفس مقدار الطعام الذي يتناوله بحال وجوده مع مجموعة تشاركه الطاولة نفسها، فكيف بالحال في العرس الجماعي.

ومن المؤكد، بحسب الخبير محمود، أن ترجح كفة إيجابيات العرس الجماعي على آثاره السلبية التي تطفو فيها مشاعر أناس لم يرق لهم التدخل في تنظيم حفلهم، أو عدم المعرفة السابقة لغيرهم من الحضور، كما أن الحفل بذاته لا يحظى بنفس مستوى إعجاب الناس جميعهم.

وعلى صعيد الآثار الفردية فقد أكد الخبير استحالة تعميم حالة ثابتة عن آثارها على العروسين، وتعتمد بالدرجة الأولى على وضع الفرد وظروفه، فالبعض ممن قبل بالفكرة قسرًا لا يشبه بحال من الأحوال آخر شارك بنفس عرسٍ وجده بعد طول انتظار، وهو ما ينتج عنه الوبال لدى البعض والانشراح لدى البعض الآخر.

وثقافة العرس الجماعي لا شك تمس بآثارها الأنثى أكثر من الرجل، كونها مرتبطة بالاهتمام المنشود والمظهر الخارجي المعكوس في عيون الحضور.

لم يسمح حسام للحزن بأن يسطو على قلب زوجته، واعدًا إياها بإقامة عرس منفرد يجمع فرحين بآن واحد أحدهما حفل عرسهما، والآخر فرح الفرج القريب عن سوريا وأهلها، وفقًا لدعوات حسام.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع