فريق التحقيقات في عنب بلدي
في سوريا.. طفل يربي طفلًا
بينما كان أقرانه يقضون الوقت في الإعداد لامتحانات الثانوية العامة، كان عبد الرحمن ينتقل دفعة واحدة من طفل إلى أب، ويستقبل مهامه الجديدة بصدر رحب، وبقول “الحمد لله”.
دخل عبد الرحمن جزماتي، ابن مدينة حلب، الحياة الزوجية حين لم يكن قد أتم 18 عامًا من عمره، واليوم، في عمر العشرين، يعيش مع زوجته وطفلته ذات العامين في مدينة إدلب، متصالحًا مع “الأسباب المنطقية” التي جعلته مسؤولًا، كغيره من أصدقائه، عن عائلة في سن مبكرة.
“بسبب قيام الثورة السورية لم يعد هناك خدمة إلزامية، وهذا ما أتاح لي إتمام الزواج”، يقول عبد الرحمن لعنب بلدي، لكن مبرراته لا تتوقف عند ”الفرصة التي وفرتها الثورة”، بل تمتد من وجهة نظره إلى أسباب أخرى مرتبطة بالحرب، كتنازل الأهل عن جزء من الشروط المادية لتزويج بناتهم، ووفرة المنازل مع تزايد الهجرات.
تلك الأسباب مجتمعة غالبًا ما تتوفر في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، كإدلب التي يعيش جزماتي فيها، والغوطة الشرقية.
“ظاهرة” في مناطق المعارضة
في حين أكد عبد الرحمن أن عددًا لا بأس به من أصدقائه تزوجوا تحت سنّ الثامنة عشرة، إلا أن المنظمات المعنية بالشؤون الاجتماعية في سوريا لم تعطِ الأمر حقه من الرصد، وبالتالي لم توفّر إحصائيات مفصلة عن حالات زواج الفتيان القصّر.
كما يصعب وضع تصور دقيق عن حجم الظاهرة نتيجة غياب مراكز توثيق المواليد في الكثير من القرى والبلدات الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، إضافة إلى عزوف الكثير من المتزوجين تحت سن 20 عامًا عن تسجيل عقود زواجهم في مراكز النفوس، والاكتفاء بالعقد الشرعي.
رغم ذلك تؤكد دائرة النفوس في الغوطة الشرقية أن سجلاتها تشير إلى ارتفاع نسب حالات زواج الفتيان القصّر من 10% قبل الثورة إلى 30% بعدها.
أما القاضي والمحاضر بكلية الشريعة في إدلب، الدكتور ياسين علّوش، فاعتبر في لقاء مع عنب بلدي أن نسبة زواج القصّر ”شهدت زيادة طفيفة بسبب الظروف العامة التي تمر بها البلاد”، لافتًا إلى أن العلماء لا يرون مشكلة في الأمر، بل يحضون الشباب والفتيات على الزواج، “إذا خُشيت الفتنة عليهم وملكوا شرط الباءة”.
على الجهة الأخرى من سوريا، وفي مناطق سيطرة النظام، يبدو الوضع مختلفًا فيما يخصّ زواج القصّر، بالنظر إلى تراجع أعداد الشبان نتيجة فرض الخدمة الإلزامية والاحتياطية من جهة، وتزايد أعداد المهاجرين من الذكور بالمقارنة مع الإناث.
رجال صغار
“أعمل في وظيفة لوجستية ضمن إحدى المنظمات، وأموري المادية جيدة”، يتحدث عبد الرحمن جزماتي لعنب بلدي عن وضعه الحالي بنبرة ثقة تنبع من قدرته على إعالة أسرته الصغيرة، وتوفير شروط الحياة لها.
لكن هذه القدرة المادية لا ترتكز على أساس صلب، كمهنة متوارثة أو تجارة ثابتة أو شهادة علمية تمنحه مركزًا وظيفيًا، بل على ظرف المنظمة التي يعمل بها، وهو ما يجعل الاستمرار في إعالة هذه الأسرة أمرًا غير محسوم.
مع تراجع فرص التعليم، وتوفر فرص عمل غير مرتبطة به في مناطق سيطرة المعارضة، أصبح أغلب القاصرين قادرين على تحصيل دخل مادي جيد نسبيًا، ناهيك عن وجود قسم كبير من القاصرين ضمن صفوف مقاتلي الفصائل، وحصولهم على رواتب تتراوح بين 100 و200 دولار.
وفق ذلك، فإن إحساس الشاب، البالغ من العمر 16 عامًا على سبيل المثال، بطفولته يبدو ضربًا من المستحيل، وهنا قد تبرز حاجته للزواج، وتتحول إلى حقيقة، مع وجود ظروف اجتماعيّة مناسبة.
يقول عبد الرحمن إنه بكر والديه اللذين شجعاه على الزواج، ليصبحا في غضون أقل من عام جدّين صغيرين نسبيًا لطفلة.
أما فيما يخصّ المسكن فلم يجد عبد الرحمن صعوبة في توفير مكان يقطن فيه مع زوجته وطفلته نظرًا “لوفرة المنازل الفارغة”.
طفلٌ وطفلة ينجبان أطفالًا
بالحديث عن زواج الشبان القصّر، فلا بد من الإشارة إلى أنّ زوجاتهم قاصرات بالضرورة، ما يعني أن عائلات سورية كاملة تتألف من أطفال فقط، على اعتبار أن سن الطفولة وفق المعايير الدولية يمتد إلى عمر 18 عامًا.
من الناحية الفيزيولوجية، فإنه بمجرد وصول الفتى أو الفتاة سن البلوغ يمكن أن يكونوا مؤهلين للإنجاب، لكن هذا الإنجاب قد تكون له تداعيات سلبية على صحة الأم، فضلًا عن التداعيات النفسية التي يمكن أن تنعكس على الوالدين.
وهو ما يؤكده الطبيب النفسي الدكتور عمار بيطار، الذي يلخّص الحالة بأنها “طفل يربي طفلًا”.
ويضيف بيطار، وهو مدرب وخبير في مجال الحماية والعنف المبني على النوع الاجتماعي، أن “النضج النفسي مهمٌ ليستطيع أي شخص أن يعتني بآخر أصغر منه، أو أن يوفّيه حقه من الاهتمام والعناية”.
لكن تلك الآثار والتداعيات ليست مخيفة، من وجهة نظر عبد الرحمن، الذي يبدو متصالحًا مع وضعه، ويعتبر نفسه ملهمًا للكثير من الشبان من حوله، دون أن يكون مضطرًا ليشغل باله بالتفكير في المستقبل، أو للتساؤل: هل أسست ما يكفي لأكون أبًا وزوجًا؟
قاصرون سوريون في “عش الزوجية”
طُرحت قضية زواج القاصرات، في كل محفل دولي ومحلي، كإحدى القضايا الشائكة التي تواجهها المجتمعات منذ زمن بعيد، حتى أصبح الحديث عنها روتينيًا، ومملًا في بعض الأحيان، وأصبحت معها الاستجابة لأي متغيرات تطرأ على زواج القاصرات شبه معدومة.
إحصائيات روتينية أثبتت ارتفاع وتيرة زواج القاصرات بين السوريين، في مخيمات اللجوء خاصة، إلا أنها لم تتعدّ كونها نتيجة طبيعية للحرب والفقر وانعدام الأمان، ولكن ماذا عن زواج القاصرين وليس القاصرات، الظاهرة التي بدأت تحفر في أركان المجتمع السوري.
قاصرون داخل دائرة الزواج.. أسباب ووقائع
تناقض آخر يعيشه السوريون انعكاسًا للتقسيمات المجتمعية والسياسية التي خلفتها سنوات الحرب في سوريا، ففي وقت مازال فيه شاب ثلاثيني، وربما أربعيني، يعيش في كنف والديه، ظهر على الضفة الأخرى من الحرب شاب لم يبلغ العشرين مسؤول عن زوجة وأطفال، وعن والديه أحيانًا.
ومع غياب الإحصائيات الرسمية عن الظاهرة المهمشة، رصدت عنب بلدي في مناطق سورية خاضعة لسيطرة المعارضة، ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة الزواج المبكر لدى الذكور، خاصة في غوطة دمشق الشرقية التي ارتفعت فيها النسبة من 10% قبل عام 2011، إلى 30% عام 2017، وفق ما ذكرت مصادر مطلعة.
وفي إدلب التي تغيب فيها عقود الزواج القانونية، ويكتفي أبناؤها بعقود الزواج الشرعية، أو ما يعرف في سوريا بـ “كتب كتاب”، تغيب الإحصائيات تمامًا، باستثناء ما لاحظه رجال الدين من انتشار ظاهرة زواج الذكور القاصرين، وإن كانت الزيادة “طفيفة”.
قبل الحديث عن انتشار الزواج بين شباب لم يبلغوا سن الـ 18، وجب الحديث عن ظواهر عدة مهدت لانتشار زواج القاصرين، خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، وفي المناطق المحاصرة التي اختلفت فيها أولويات الشباب السوري، وأصبح الزواج الخلاص الوحيد لكلا الجنسين، مع غياب التعليم وتسهيلات أخرى جعلت الزواج متاحًا.
الزواج نتيجة لغياب التعليم
كان الجهل ومازال شمّاعة تُعلّق عليها كافة المشكلات المتفشية في المجتمعات، وفي سوريا تحديدًا التي تجاوز فيها المتسربون من التعليم حاجز المليوني سوري، ممن هم في سن الدراسة، وفق إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، وأصبحت جُلّ طموحات المراهقين من الشباب، في المناطق التي تشهد نزاعات، البحث عن الاستقرار والتأسيس لعائلة بدلًا من التأسيس لمستقبل يرونه مجهولًا.
نزاع حد من تفكير الشباب السوري وحاصر طموحاتهم قبل أراضيهم، وغيّر المجرى الطبيعي لحياتهم، فتجاوزوا مرحلة التعليم وتجاوزوا معها مرحلة العمل لتأمين متطلبات الزواج، وقرروا أن يصبحوا آباءً وأزواجًا، ويتحملوا مسؤولية ظنوا أن الحرب جعلتهم أقوياء بما يكفي لتحمّل تبعاتها.
الناشطة الحقوقية في مجال حقوق الشباب، وداد رحال، قالت لعنب بلدي إن الزواج بين القاصرين من الشباب بدأ بالانتشار في إدلب، وسط تقبل تدريجي لهذه الظاهرة داخل مجتمع يتطبع بمجمله بطابع ديني، يحفز على الزواج “درءًا للمفاسد”.
“الزواج المبكر ظاهرة قديمة منذ زمن طويل، ولكن بسبب الأزمات التي نشهدها حاليًا زادت نسبتها كثيرًا”، تقول رحال.
وأرجعت السبب في الدرجة الأولى إلى قلة الوعي وغياب التعليم الرسمي “المعترف عليه” في إدلب، وعدم قدرة الشباب على الالتحاق بالمدارس والجامعات في مناطق النظام السوري، بسبب ملاحقته لهم أمنيًا، ما ولد فراغًا كبيرًا في حياة الشباب في سن المراهقة، ودفعهم إلى التفكير بالزواج.
وهنا تبرز وبقوة مسألة اختلاف أولويات الشباب السوري وظهرت التحولات من بلوغ أعلى مستويات التعليم إلى تأسيس عائلة، تبعًا لعوامل عبّدت أمامهم الطريق، وتجاوزت أعراف المجتمع وتقاليده التي تقبل زواج الفتيات القاصرات وتستهجن زواج القاصرين من الذكور.
حملوا السلاح وحملوا بعده أبناءهم
مع بدء النزاع المسلح في سوريا توالت التقارير الحقوقية الدولية المحذرة من انتشار ظاهرة تسليح الأطفال والقاصرين من السوريين وإشراكهم في القتال عبر إغرائهم بمبالغ مادية، فاقت ما يتقاضاه موظف جامعي في سوريا.
وفي تقرير نشرته منظمة “يونيسيف” بالتعاون مع منظمة “إنقاذ الطفولة”، عام 2015، تحت عنوان “أيادي صغيرة وعبء ثقيل”، رصدت خلاله تجنيد الأطفال في سوريا ممن تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عامًا.
وقالت المنظمة حينها إن أكثر الأطفال هشاشة وتعرضًا للمخاطر في سوريا هم أولئك الذين ينخرطون في نزاعات مسلحة، بهدف إعالة ذويهم ودرء الفقر عنهم، بالإضافة إلى الدافع العاطفي بالدفاع عن أرضهم ومحاربة من ظلموهم.
ويفيد التقرير بأن الأطفال والقاصرين الذين يتم تجنيدهم في سوريا يحققون دخلًا شهريًا يقارب 400 دولار (ما يعادل 200 ألف ليرة سورية).
الـ 400 دولار، أو نصفها حتى، كانت كفيلة بإقناع شاب لم يبلغ الـ 18 عامًا بالزواج، وتحمل مسؤولية اعتقد أنها مسؤولية مادية فقط، فمن وجهة نظرهم من استطاع تحمّل مسؤولية القتال والوقوف على الجبهات في سن صغيرة، يرى في الزواج أسهل وأيسر من حمل السلاح.
كما أن تأمين متطلبات الزواج وتغطية مصروف الزوجة والأطفال بات ممكنًا مع الرواتب “المغرية” التي يتقاضاها القاصرون المسلحون.
وبحسب اتفاقية حقوق الطفل، وهي الميثاق الدولي الذي يحدد حقوق الطفل المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن كل شخص لم يبلغ الـ 18 من عمره يعتبر طفلًا.
دعوات دينية لإكمال “نصف الدين”
في مناطق المعارضة تحديدًا، طغى الجانب الديني على مختلف جوانب حياة المدنيين هناك، واتجهت الفصائل المعارضة إلى فرض تعاليم دينية تحت دعوى “مكافحة الفساد الأخلاقي”، لتثبت للمجتمع السوري المحافظ أن هدفها إصلاح ما أفسده النظام السوري.
وباعتباره أعظم العلاقات التي دعا إليها الدين الإسلامي، ظهرت دعوات عدة في مناطق المعارضة من قبل رجال الدين الذين دعوا إلى تزويج الشباب بعمر مبكر، في حال طلبوا ذلك، تجنبًا لدخولهم في علاقات “غير شرعية”.
وفي هذا الصدد، قال القاضي الشرعي والمحاضر في كلية الشريعة بجامعة إدلب، الدكتور ياسين علوش، إن علماء الدين قد يلعبون دورًا في انتشار هذه الظاهرة، عبر حث الشباب والفتيات على الزواج “إذا خُشي عليهم من الفتنة”.
وأضاف في حديث إلى عنب بلدي، “لكن يجب أن يكون الزواج ضمن الشروط التي وضعها الإسلام، وهي أن يكون هذا الشاب قادرًا جسديًا وعقليًا وماديًا على القيام بأعباء الأسرة، ومثله الفتاة”.
وتحقيقًا لذلك دعا رجال الدين أيضًا أهل الفتاة إلى تسهيل متطلبات الزواج، وعدم المغالاة في المهور، خاصة مع فقدان الكثير من الشباب السوري بين قتيل ومفقود ومعتقل ومهاجر وملتحق بالخدمة العسكرية، إذ زاد عدد الإناث في المجتمع السوري إلى 65% من مجمل فئات المجتمع، بحسب تصريح القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود المعراوي.
النتيجة الطبيعية لتلك الزيادة هي ارتفاع نسبة العنوسة في سوريا، والتي وصلت إلى 75%، بحسب المعراوي، ما دفع أهالي الفتيات إلى تسهيل شروط الزواج، خوفًا على بناتهم من “شبح العنوسة”.
وعلى اعتبار أن مناطق سيطرة المعارضة السورية تعاني من حصار ونقص في المواد الأساسية للحياة، يصبح من الصعب على الشباب تأمين آلاف الدولارات كمهور، والمعيشة هناك تحتاج منهم هذه الألوف لشراء الخبز والطحين والشعير والماء، ما يدفع أهل العروس إلى إبداء تعاطف أكبر وطلب مهر رمزي.
تسهيلات قانونية ودينية مهدت لزواج القاصرين
لم تتعارض نصوص القانون السوري مع ما ينص عليه الدين الإسلامي فيما يخص زواج القاصرين والقاصرات، خاصة أن قانون الأحوال الشخصية في سوريا يستند، في موضوع الزواج تحديدًا، إلى نصوص شرعية مستمدة من القرآن الكريم والسنة، مع وجود اختلافات في بعض الأحيان.
تناقض في القانون حول الزواج المبكر
رغم استناد قانون الأحول الشخصية في سوريا إلى نصوص شرعية، إلا أنه سنّ بعض المواد التي تختلف مع ما يقوله الشرع، خاصة في مسألة تحديد العمر المناسب لزواج كلا الجنسين.
المادة “16” من قانون الأحوال الشخصية السوري، الصادر عام 1950، تنص على أن سن الأهلية القانونية للشاب هو بتمام الـ 18 عامًا، أما الفتاة فتكون بتمام سن الـ 17.
والمقصود بالأهلية القانونية هي السن التي يستطيع معها الشاب أو الفتاة المباشرة بالأعمال والتصرفات القانونية بأنفسهم، فهم غير أهل لمباشرة الأعمال القانونية، التي تسمى في الاصطلاح “أهلية الأداء”، لحين بلوغ السن المحددة لهم في القانون.
وعلى اعتبار أن المحكمة الشرعية في سوريا لا تقبل تزويج الفتاة إلا بحضور ولي أمرها، حتى وإن بلغت سن الأهلية، فإن القاضي الشرعي يزوج الفتاة دون اعتبار لسنها، حتى وإن كانت قاصرًا، ويكتفي بالحصول على موافقتها وموافقة ولي أمرها المسؤول عنها، وفق ما قالت محامية في دمشق لعنب بلدي.
وفي حال غياب أولياء الفتاة يحق للقاضي أن يزوجها تطبيقًا للقاعدة الفقهية التي تعتبر القاضي وليًا لمن لا ولي له، وذلك في حال ارتأى أن القاصر مؤهلة للزواج.
إلا أن القاضي الشرعي لا يسمح بزواج الشاب لحين بلوغه سن الـ 18، كونه لا يستطيع القيام بمسؤوليات العائلة القانونية، بما فيها استخراج دفتر عائلة، رغم أن المحامية أكدت حصول بعض الحالات التي يتم فيها تزويج الشباب تحت سن 18، بحضور ولي أمره.
وتنص المادة “18” من قانون الأحوال الشخصية السوري أنه إذا ادعى المراهق البلوغ بعد إكمال سن الـ 15، أو إذا ادعت الفتاة ذلك بعد سن الـ 13، وطلبا الزواج فيأذن لهما القاضي بعد التحقق من صحة ادعائهما وقدرتهما الجسدية على الزواج، ويشترط موافقة ولي أمرهما.
وعن شروط الكفاءة الزوجية، سنّ القانون السوري مادة رقمها “19” والتي تقول إنه “من شروط الكفاءة الزوجية تناسب السن، فإذا كان الخاطبان غير متناسبين سنًا ولم تكن هناك مصلحة في هذا الزواج فللقاضي ألا يأذن به”.
في الشرع الزواج المبكر جائز.. ولكن
ينظر الشرع إلى الزواج المبكر من منظور يختلف عن الدعوات الحقوقية والقانونية الرافضة لفكرة زواج القاصرين، ووفق ما قال
الدكتور في الشريعة الإسلامية، ياسين علوش، فإن الزواج المبكر جائز سواء أكان ذلك للذكر أو للأنثى، وذلك لأن الإسلام ينظر بمنظور “المصالح العامة” للناس، والتي تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى آخر.
وتابع في حديثه لعنب بلدي “معنى ذلك أن مصلحة شاب ما أو فتاة قد تقتضي أن يتزوج في سن مبكرة لظروف خاصة تحيط به”.
ومع ذلك اعتبر علوش أن كون الأمر جائزًا شرعًا فهذا لا يعني أنه واجب، بل إن الفقهاء فصلوا الحكم الشرعي للزواج إلى ثلاثة أقسام، الأول أن الزواج المبكر قد يكون واجبًا في حق من تيقن وقوعه في الحرام وهو يملك القدرة والاستطاعة عليه.
والثاني أن الزواج المبكر قد يكون حرامًا في حق من تيقن إيقاع الظلم بزوجته لفقره أو لسوء خلقه، والثالث أنه قد يكون مستحبًا إذا لم يتيقن الشخص وقوعه في الحرام ولكنه يخاف على نفسه ذلك، حسبما فسّر علوش.
وعادة ما ينطلق طالبو الزواج بسن مبكرة من الحديث النبوي الذي يقول “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”.
والمقصود بـ “الباءة” هنا، وفق ما قال الدكتور علوش، هو الاستطاعة على الزواج بكل أنواعها، المادية والجسدية وحتى النفسية والعقلية، وأضاف “يمكن أن نسقط هذا الحكم العام على زواج الشباب والفتيات بسن مبكرة”.
وبذلك تكون القاعدة الشرعية حاسمة بشأن زواج القاصرين، شرط توفر الشروط السابقة، وفيما عدا ذلك فإن الزواج يكون “حرامًا” شرعًا.
وبحسب علوش، فإن الزواج المبكر في حال لم يكن مدروسًا بعناية فإنه سينتهي بالفشل والطلاق، وختم “هذا ما لمسناه حقيقة أثناء عملنا في المحاكم الشرعية”، مشيرًا إلى غياب الإحصائيات الرسمية الدقيقة لنسبة الفتيات والشباب الذين تزوجوا تحت السن القانونية، خلال السنوات السبع الماضية.
ومع ذلك اعتبر علوش أن “زمن الفتن” الحالي هو ما يدفع الشباب إلى طلب الزواج، وقال “في زماننا هذا وخصوصًا بعد انتشار الإنترنت بين أيدي الجميع لم يجد الشباب حلًا لعدم الوقوع في الفتنة إلا الزواج”.
وتابع “لا شك أن ذلك مفهوم، ولكن بضوابط وشروط وضعها الإسلام وهي أن يكون هذا الشاب قادرًا جسديًا وماديًا وعقليًا ونفسيًا على القيام بأعباء الأسرة، ومثله الفتاة”.
زواج القاصرين من وجهة نظر الطب
“قلة النضوج” أساس الخلل
يرتبط الحديث عن “زواج مبكر” أو “زواج مثالي” بالوضع الاجتماعي أو الزمن الذي يتم طرحه فيه، إذ يبدو زواج الفتاة ذات الـ 15عامًا أمرًا خاطئًا في الوقت الحالي، وهو ما كان أمرًا طبيعيًا ومستحبًا قبل 100 عام في المنطقة العربية على سبيل المثال.
في ذاك الوقت أيضًا، لم يكن الشاب ذو الـ 17 يُحسب على فئة الفتيان أو الأطفال، بل يعامل كرجل ويتم السعي لاختيار زوجة مناسبة له.
مع تقدّم المجتمعات وارتباط التعليم بسلسلة مدرسية محددة الزمن، وفترة جامعية قابلة للتمديد، أصبح الزواج المبكر يعني الابتعاد عن التعليم وزيادة نسب غير المتعلمين، وإن لم يكونوا “أميين”.
لكن هذا الجدل الاجتماعي يمكن أن يحسمه الطب، بالنظر إلى أهلية القصّر، فيزيولوجيًا، للزواج.
ترى الطبيبة زهراء بيطار، المتخصصة بالأمراض النسائية، أنّ مجرّد وصول الشاب إلى سنّ البلوغ فهو يكون مؤهلًا لإتمام العملية الجنسية، دون أن يكون للأمر آثار سلبية على صحته.
ويبدو الأمر أكثر تأثيرًا على صحة الإناث، إذ تشير الطبيبة بيطار إلى أنّ الفتيات صغيرات السن قد يعانين تداعيات سلبية نتيجة الزواج، كالنزيف والتمزقات.
أما فيما يخصّ حمل الفتاة صغيرة السن، فإن ذلك يؤدي إلى عسر ولادات، وارتفاع احتمال حاجتها للولادة القيصرية، فضلًا عن ولادة أجنة ناقصة النمو، بحسب بيطار.
بحسب دراسة صادرة عن منظمة “يونيسيف” الأممية بعنوان “حماية الطفل من العنف والاستغلال والإيذاء” فإن الوفيات النفاسية المرتبطة بالحمل والولادة تعتبر عنصرًا مهمًا لوفيات الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15و19 عامًا في جميع أنحاء العالم، وتتسبب في 70 ألف حالة وفاة سنويًا.
وتشير الدراسة إلى أن المولود أيضًا يمكن أن يتعرض لخطر كبير في حال كان عمر والدته تحت 19 عامًا، إذ يكون أكثر عرضة للإصابة بنقص الوزن عند الولادة وسوء التغذية وتأخر النمو البدني والإدراكي.
ولا تتوقف تداعيات الأمر طبيًا على قدرة القاصر أو القاصرة على الزواج فيزيولوجيًا، أو على صحة الجنين، بل تمتد لتشمل الآثار النفسية المترتبة عليه، وهو ما يثير قلق المنظمات الدولية المهتمة بالأطفال.
تقول الطبيبة زهراء بيطار إن زواج الشاب تحت عمر 18 عامًا، غالبًا يعني اختيارًا “غير ناضج” للشريك، وعدم القدرة على تحمل المسؤولية الاقتصادية للأسرة الجديدة ما يوقعه بمشاكل.
كما يخلّف “عدم وجود نضوج حول العملية الجنسية في بعض الأحيان آثارًا نفسية سلبية مدى الحياة”.
وتضيف بيطار أنّ زواج الشبان في عمر مبكر يعني الحرمان من فرص التعليم في أحيان كثيرة، كما قد يؤدي إلى ازدياد حالات الطلاق “بسبب هروب الشبان القاصرين من الزواج نتيجة زيادة الأعباء الأسرية، واستسهال الطلاق لعدم استيعاب تداعياته”.
الأمر ذاته ينطبق على الفتيات القاصرات اللاتي يتزوجن في الغالب رجالًا أكبر منهن بسنوات عدة ما يجعلهن في مهب الأزمات النفسية المتعلقة بصعوبة التواصل مع الزوج والفوارق الفيزيولوجية وفوارق الاهتمامات وطرق التفكير.
وفق دراسة صادرة عن منظمة الصحة العالمية، فإن الفتيات عندما يتزوجن في سن صغيرة فإنهن يتعرضن أكثر من غيرهن للعنف من الشريك، وإساءة المعاملة الجنسية مقارنة بمن يتزوجن في سن أكبر.
وتعتبر الدراسة ذاتها أن تزويج الفتيات القاصرات يعد “انتهاكًا” لحقوقهن، كونه يشكل إنهاءً فعليًا لتعليمهن، وحجب أي فرصة أمامهن لاكتساب المهارات المهنية والحياتية.