"هدوء يخفي نيرانًا"
هل تغادر “تحرير الشام” الجنوب السوري؟
عنب بلدي – درعا
فتحت المفاوضات للتوصل إلى اتفاق خروج “هيئة تحرير الشام” من الغوطة الشرقية الباب أمام إمكانية تكرار التجربة في آخر معاقل “الهيئة” في الجنوب السوري، وخاصة في محافظتي درعا والقنيطرة.
إلا أن المقارنة بين الظروف التي تربط فصائل المعارضة ببعضها في المناطق الخاضعة لسيطرتها في سوريا غير ممكنة بالمجمل، فالعلاقة بين الفصائل في محافظتي درعا والقنيطرة مختلفة عن العلاقة في الغوطة الشرقية وصولًا للشمال السوري.
وقد يكون اتفاق فصائل “الجيش الحر” على رفض وجود “تنظيم القاعدة” والشكوك المتواصلة حول علاقة “تحرير الشام” به هو الصفة المشتركة بينها جميعًا، ما أبقى العلاقة بين الجانبين متوترة في كثيرٍ من الأحيان، لتصل حد التصادم الدامي كما حصل في الغوطة الشرقية وإدلب.
هدوء يخفي نيرانًا
يختلف الوضع في محافظتي درعا والقنيطرة، إذ احتوت فصائل “الجيش الحر” معظم خلافاتها مع “جبهة النصرة” سابقًا لظروف عديدة.
وشهدت المحافظتان معارك خاضها الطرفان معًا ضد قوات الأسد و”جيش خالد بن الوليد” المتهم بمبايعة تنظيم “الدولة الإسلامية”، لتتميز العلاقة بينهما بنوع من الهدوء المتفق عليه، الذي قد يخفي خلفه نيرانًا لا مصلحة لأي منهما باشتعالها.
وكانت عنب بلدي نشرت في تموز 2017 تقريرًا بناءً على معلومات حصلت عليها من مصادر عسكرية مطّلعة، أن اجتماعات عقدت بهدف حلّ “تحرير الشام” في الجنوب أو الخروج نحو إدلب.
ونقلت المصادر حينها عن قياديين في “الجبهة الجنوبية” قولهم إن “وجود تحرير الشام في درعا لم يعد مرحبًا به، بناءً على المتغيرات التي تشهدها المنطقة الجنوبية”.
وأشارت إلى أن الخيارات المطروحة تشمل حلّ “تحرير الشام” نفسها في درعا بشكل نهائي، واندماج عناصرها مع “الجيش الحر” أو نقل عناصرها إلى إدلب بالتنسيق مع النظام السوري.
وأمام انتظار تحوّل هذه المعلومات إلى أرض الواقع خرج اتفاق الغوطة “المفاجئ” ليشير بشكل أو بآخر أن مساعي إخراج “تحرير الشام” من الجنوب عمومًا تسير في طريقها الصحيح، لكن يبقى استنساخ هذا الاتفاق في محافظتي درعا والقنيطرة موضع شك.
“أبو حذيفة الشامي”، القيادي العسكري في “تحرير الشام” في الجنوب، اعتبر أن فرص نجاح أي اتفاقية لإخراج مقاتلي “الهيئة” من الجنوب هي “صفر بالمئة”، موضحًا في حديث إلى عنب بلدي أن “الوضع في الجنوب له خصوصية مختلفة، وبفضل تكاتف الجميع من مدنيين وعسكريين تم تحييد المنطقة عن أي اقتتال ومعارك داخلية شهدتها بقية المحافظات”.
واستشهد القيادي بالمعارك التي شهدتها الغوطة الشرقية بين “تحرير الشام” و”جيش الإسلام”، والتي راح ضحيتها العشرات من مقاتلي الطرفين، مضيفًا “لم ننجر في الجنوب لهذا الاقتتال رغم وجود الفصيلين بقوة وتشاركهما كثيرًا من الجبهات معًا، فقد كان القرار هو الحفاظ على اتجاه البندقية وعدم السماح للفتنة بالدخول بيننا”.
وطالب القيادي فصائل “الجيش الحر” بعدم الرضوخ للضغوط الإقليمية والروسية التي “تهدف لحرف مسار المعركة من النظام باتجاه تحرير الشام بحجة مكافحة الإرهاب”، معولًا على الحاضنة الشعبية التي سيكون لها دور كبير في الوقوف بوجه هذه الضغوطات وحماية أبنائهم من “الجيش الحر” و”تحرير الشام” من أي مواجهة بينهما.
ماذا لو طُلب من “الهيئة” المغادرة؟
وبافتراض السيناريو الأسوأ، الذي قد تواجهه “تحرير الشام” في حال طُلب منها مغادرة الجنوب فعلًا، اعتبر القيادي أن المواجهة حينها ستكون للدفاع عن الثورة.
وقال “في حال وصلنا لهذا الأمر فعلًا، فهذا يعني أن الفصائل رفعت الراية البيضاء ولم تعد تمتلك قرارها، وقتالنا سيكون دفاعًا عن الثورة وليس عن أي شيء آخر”.
وتعتمد “الهيئة” في انتشارها جنوبًا على شكل من اللامركزية في التوزع الجغرافي، بشكل لا يضعها ضمن نطاق جغرافي واحد، فهي موجودة في ريف درعا الشرقي وتسيطر على اللواء 138 في بلدة صيدا.
وتمتلك تمركزًا قويًا في منطقة اللجاة، كما تعتبر من المكونات الرئيسية لغرفة عمليات “البنيان المرصوص” في مدينة درعا، وتمتلك نفوذًا في ريف درعا الغربي بسيطرتها على تل الجابية.
أما مقاتلوها فيتوزعون على أكثر من محور ضد “جيش خالد بن الوليد” في محيط حوض اليرموك، إلى جانب الانتشار في بلدات عديدة ضمن منطقة مثلث الموت.
وتعتبر بلدة جباتا الخشب في محافظة القنيطرة من المعاقل الرئيسية للهيئة، ما يجعل أي مواجهة عسكرية محتملة ضد “تحرير الشام” بمثابة “إشعال للنيران في كل الجنوب السوري”، بحسب توصيف القيادي.
تثير هذه النوعية من الاتفاقيات السؤال حول الرابح والخاسر من إتمامها، فإخراج “تحرير الشام” من الغوطة الشرقية إلى إدلب قد يُوقف حربًا مندلعة منذ أشهر بينها وبين “جيش الإسلام”، لكن محاولة استنساخ الاتفاق إلى الجنوب قد تشعل حربًا لا وجود لها.
وأمام محاولات من في الغوطة لاستعراض ربحهم وخسارتهم من الاتفاق، وبمواجهة ما قد يسوقه مروجو الفكرة في الجنوب من ربح وخسارة، تبقى محافظة إدلب بعيدة عن كل هذه الاتفاقيات، ليقتصر دورها، كما كان طوال الأشهر الماضية، على استقبال المهجّرين من المحافظات السورية، تارة على يد قوات الأسد وأخرى على يد غيره.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :