زحمة الاستراتيجيات
محمد رشدي شربجي
ليس من السهل فهم ما يجري في سوريا، أزعم أن لا أحد حتى الدول الكبرى قادرة على فهم ما يجري في هذه الجمهورية المنكوبة، التي قال شكري القوتلي في شعبها أن عشرة بالمئة منهم يظنون أنفسهم آلهة، والباقي يعتقدون أنهم أنبياء.
الأسبوع الماضي أعلن أوباما استراتيجيته في مواجهة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. خطاب أوباما يذكر بخطاب جورج بوش الابن في محاربة الإرهاب، الاعتماد على القوة العسكرية، والتعامل مع التاريخ كأنه بدأ الآن وكأن الإرهاب نبت فجأة بدون مقدمات، ولكن هذه المرة القوات لن تكون أمريكية وإنما ستكون من أهل العراق وسوريا الذين استهدفهم الإرهاب واستهدفتهم الحرب على الإرهاب.
الائتلاف السوري المعارض أيد الاستراتيجية على الفور، وكذا فعلت كل الدنيا تقريبًا، عدا النظام السوري الذي يعتقد أن العدوان عليه يجب أن يتم بعد استئذانه.
لا يمكن لأي استراتيجية أن تنجح ما لم يتم إشراك العرب السنة في سوريا والعراق بالحكم،” داعش” هي رد فعل سني (ولو بشكل غير واع) على الحيف الذي تعرض له السنة خلال القرن الماضي. السنة وجدوا أنفسهم في غفلة من التاريخ وقد خرجوا من سلطة بقوا فيها لمئات السنوات، يحكمهم اليهود في فلسطين منذ ستة عقود ونيف، ويضطهدهم المسيحيون في لبنان منذ خمسة عقود، والعلويون في سوريا منذ أربعة عقود، والشيعة في العراق منذ عقد.
يعتقد السنة أن هذه الأقليات ما كانت لتحكم لولا دعم العالم لها، ويعتقدون كذلك أنه لولا تهاون السنة و “خيانتهم” لما حدث كل هذا، من أجل ذلك كله كان رد الفعل عدميًا حتى لنفسه، يريد أن يدمر العالم ويدمر الأقليات ويدمر السنة.
من ناحية أخرى يجب القول إن الدعوة إلى إشراك السنة في الحكم ليست من باب المحاصصة الطائفية، فقد جربت كل من لبنان والعراق هذا النظام والنتيجة هي ما نرى الآن. إشراك السنة يجب أن يكون من بوابة إشراك الجميع، ومن باب التعامل مع الشعب كمواطنين وليس كطوائف، وهذه ليست دعوة رومانسية للوحدة نتغنى بها في خطاب حزبي أو لقاء تلفزيوني، وإنما هي ضرورة وجودية للطوائف جميعًا ولدولنا الكيانات المتهالكة. التعامل مع الشعوب كطوائف سيفنيها جميعًا، الغالب والمغلوب.
على الضفة الأخرى نجد كمال اللبواني يطل علينا باستراتيجيته العجائبية، من خلال محاولته اعتماد أوراقه لدى الكيان الصهيوني، وزيادة في الإيضاح يعتقد اللبواني أن إسرائيل هي التي تثبت الأسد في مكانه، لذلك يريد أن يقنع إسرائيل أن تثبته هو بدل الأسد!.. فهلوية زائدة عن الحدود هي ما يميز هذا السوري المعارض!
بإمكاننا القول إن هناك تزاحم في الاستراتيجيات في سوريا، وبإمكاننا القول كذلك أن الاستراتيجية الوحيدة الغائبة على ما يبدو هي الاستراتيجية الوطنية، التي تعتقد أن الحل والمشكلة في الداخل السوري، والطاقات جميعها عليها أن تصب على هذا الشعب.
سنجرب كل الاستراتيجيات على ما يبدو -ستجرب بنا بشكل أدق- حتى نقتنع في النهاية أنه ليس لنا إلا أنفسنا ولن تساعدنا صواريخ العالم وطائراته طالما لا نريد أن نساعد –نحن- أنفسنا. عدا عن ذلك، فبعد أربعة عشر عامًا من “الحرب على الإرهاب” حصلنا على تنظيم جديد جعل من القاعدة مثالًا في الوسطية والاعتدال!.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :