بغض النظر عن موقفك عزيزي القارئ من المدارس ومنظومة التعليم الحالية، إلا أن أحد أطفالك أو أبناء معارفك يتجهزون للعودة للمدرسة حاليًا؛ شراء الحقائب والقرطاسية واللباس المدرسي الموحد، اختيار أفضل المدارس وأقربها للمنزل، مراعاة جوانب السلامة والأمانة في النقل لتطمئن على سلامة الصغير المتجه لمدرسته ككل أطفال العالم صباحًا.
صورة جميلة طبيعية، تعطي انطباعًا أن الحياة مستمرة رغم كل شيء، لكن هل هي كذلك في كل مكان؟
بينما أكتب هذه الكلمات، في الحادي عشر من سبتمبر، -للمفارقة- يشن الطيران الحربي غارته الثامنة على الغوطة الشرقية، في كل غارة يتم إرسال أربعة صواريخ مكتومة الصوت مدويّة الأثر.
عدد الشهداء ممن قضوا في اليومين الأخيرين مجهول متزايد قارب المئة؛ عددٌ كبير منهم من الأطفال، الذين كان يفترض بهم أن يعودوا للمدارس كما الجميع في كل مكان، الأطفال نفسهم الذين تغلبوا على أسوأ الظروف المعيشية والأمنية والدراسية وأصروا على التعلم في العام الدراسي الفائت، يبدو أنهم فقدوا فرصتهم في الحياة هذا العام، في منطقة تعيش اليوم أسوأ ظروفها الأمنية منذ بداية الثورة قبل 3 سنوات.
ورغم مأساوية ظروف العام الدراسي الماضي اتجه الأطفال للمدارس البديلة في الأقبية، وتلقوا العلم على أيدي معلمين متطوعين قاموا بإعطائهم بعض “الرقع” العلمية حسبما تسمح به الظروف الأمنية. وفي حين يبحث الأهل في مناطق أخرى من العالم عن حافلات مدرسية صحية ومؤمنة ﻷبنائهم، بحث أهل الغوطة عن طرق تقي أبناءهم شر القذائف وغارات الطيران، وكان لديهم من الإصرار، في جوّ حرب مرعب، ما يكفي لإتمام حياتهم فيه.
لكن اليومين الأخيرين جعلا هذه الحياة المأساوية حقيقة ذكرى وردية بعيدة المنال بالنسبة ﻷهل الغوطة، فالصواريخ غيرت طبوغرافية ما تبقى من المدينة، وقضت على ما تبقى من لحظات الهدوء فيها، وقتلت وجرحت الكثير من الأطفال.
ما يجري في الغوطة الشرقية اليوم هو أكبر حملة تصعيد عسكري في ظل الحصار؛ الغارات الجوية ليلًا ونهارًا، راجمات الصواريخ وقذائف الهاون، مع استمرار حملة التجويع وإغلاق كافة المنافذ.
ليس الأمر تهويلًا إعلاميًا، إذ لن يتمكن الإعلام بأي شكل من وصف وحشية ما يجري على الأرض بحق المدنيين، بحق الإنسان المجبر على المكوث هنا، لا ليحيا.. بل ليموت.
الحادي عشر من سبتمبر 2001 في أمريكا بغض النظر عن الفاعل، جعل العالم كله يتحرك لضمان الأمن والسلامة وعدم تكرار هكذا أعمال تخريبية، ولا تزال آثاره واضحة حتى اليوم، لكن ماذا عن مئات الآلاف من القتلى السوريين في أيام أشد وأكثر عنفًا من 11 سبتمبر؟
هجوم 11 سبتمبر في منهاتن كان بهدف واضح محدد وبساعة محددة غير مستمرة، كان “إرهاب” أشخاص على “دولة”، لكن 11 سبتمبر الغوطة الشرقية مستمر بحملة بربرية من أيام لا تعرف انقطاعًا ولا تحديدًا، على مناطق كاملة وبوقت غير مستقطع؛ هو إرهاب “دولة” على “أشخاص”؛ وهل تقارن مقدرة الدول بمجابهة الإرهاب، بقدرة المدنيين على مجابهة إرهاب الدول؟
11 سبتمبر أمريكا كان لتنكيس راية دولة والانتقام منها بمعلم من معالمها، لكن 11 سبتمبر الغوطة يهدف لمسح منطقة كاملة وتسويتها بالأرض، يعني إبادة مليون ونصف مدني محاصر غير قادر على النجاة بروحه، بإرهاب لا يدينه أحد.
الطائرة التي تشن غاراتها هنا ليست مختطفة، هي خرجت من مطار عسكري لدولة نعيش فيها جميعًا لقتل مواطنين من ذات الدولة، دون أن يتم تحريك ساكن لأجل هؤلاء المنكوبين المحاصرين.
في كل دول العالم سيعود الأطفال للمدرسة، أما في دوما، فالأطفال يعودون لـ 11 سبتمبر.