قرآن من أجل الثّورة 134
عنب بلدي – العدد 134 – الأحد 14/9/2014
خالص جلبي – الحراك السّلمي السّوري
شجرة المجتمع الثقافي
المحنة والمعاناة ضروريتان، ومن دونهما لا يبدع الفرد ولا تتطور الجماعة. فقد تعرض ابن تيمية للضرب ودُفع به من المنبر حتى طارت عمامته وتم تعزيره، وحُكم على سلطان العلماء العز بن عبد السلام بألا يفتي ولا يجتمع بأحد ويلزم بيته، واضطر الناس إلى دفن الإمام ابن جرير الطبري في بيته خوفًا من الرعاع، ومات أبو حنيفة بالسم غالبًا، وجُلِد الإمام مالك وشُهِّر به، وعُذِّب الإمام ابن حنبل من أجل فكرة، وشنق محمود طه في السودان لاجتهاد سياسي رآه، وقبل هذا كله تعرض الرسول صلى الله عليه وسلّم للأذى في مكة والطائف.
إن كل ذلك مردّه إلى خوف المجتمع من أفكار التغيير، فالمجتمع يحرس شجرته الثقافية بلهيب نار وسيف يتقلب. وعندما يشذ الفرد عن المجموع يعاقَب. فعند الدجاج تُنقَر الدجاجةُ المجروحةُ في مكان الدم حتى الموت، وتهجم الأرانب على المريض منها فتعزله بقوة الرفس والعض.. ويعامل البشر “الشاذ” منهم بالسخرية والتندر، ثم العزل والإيذاء!
والمجتمع على حق في دفاعه عن شجرته الثقافية؛ إذ لو فُتح الباب لكل “دعي” لفقد المجتمع كل تماسك واستمرارية، كما يفعل الجسم في المحافظة على نفسه. إن شذوذ الأفراد يشبه ظاهرة السرطان في الجسم. والمتمردون والثوار خلايا سرطانية للجسد الاجتماعي، وعلى المجتمع مكافحتهم. فإذا كان الخارج على النظام كذابًا فلن يصمد أمام جبروت المجتمع بل سينزوي ولو بعد حين طلبًا للسلامة، ولكن إذا كان صادقًا في دعواه استمر في دعوته بسبب ضغط الأفكار وزخمها ودفعها الروحي المستمر الذي يحرمه الراحة ما لم يتخلص من ذلك الفيض الداخلي. وهؤلاء الأفراد المتميزون النادرون هم الذين يعانون ويمضون في طريقهم قبل أن يلتحق بهم الآخرون ولو بعد حين أو جيل أو أجيال، وعند هذه النقطة يتطور المجتمع؛ لأنه يأخذ الفكرة بعد صراع وتمحيص طويل؛ فيعتنقها بعشق وتقديس؛ لأنه يصاب بعدوى عشق الحقيقة من مصدرها المضحي، كما حصل مع سحرة فرعون الذين صلبوا بعد هذا العشق وقطعت أطرافهم بالتبادل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :