أميركا لروسيا: باقون في سوريا

  • 2017/12/20
  • 12:18 م
حسين عبد الحسين

حسين عبد الحسين

حسين عبد الحسين – المدن

منذ دخول روسيا الحرب السورية، أواخر العام 2015، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انسحاب قواته، خمس مرات على الأقل، في عملية تكاد تقارب العبث. أما سبب إعلانات الانسحاب الروسية المتكررة فبقي مجهولاً، الى أن كادت مقاتلات “سوخوي-35” الروسية تصطدم بمقاتلات “اف-22” الاميركية، الأسبوع الماضي، في السماء السورية شرقي الفرات.

وسبق لتحالف روسيا وايران والرئيس السوري بشار الأسد، ان حاول امتحان جدية الولايات المتحدة في اقفال المنطقة الجوية، التي يسيطر عليها التحالف الدولي للحرب ضد تنظيم “الدولة الاسلامية” في الشرق السوري، فأرسل سوخوي سورية، فأسقطها الاميركيون بعدما اسقطوا طائرات ايرانية من دون طيار.

الرسالة الاميركية الى روسيا وإيران واضحة: الولايات المتحدة باقية في شرق الفرات، وستبقيه عصياً على سيطرة الروس والايرانيين الى أن يتوصل السوريون الى تسوية سياسية، تؤدي إلى إنهاء الحرب، وتشكيل حكومة تمثل النظام ومعارضيه، فعلياً لا شكلياً.

والسبب الاميركي الذي أعلنته وزارة الدفاع الأميركية للبقاء شرق الفرات، هو “منع عودة داعش”، لكن القيادة الاميركية لمحاربة “داعش” مركزها العراق، ما يعني أن للبقاء الاميركي شرقي سوريا هدفاً آخر غير معلن.

في تعريفه “مهمة الولايات المتحدة في سوريا”، يكتب السفير الاميركي السابق والباحث في “معهد واشنطن لشؤون الشرق الادنى” جيمس جفري، إنه “يمكن، وعلينا، تفسير مهمة الحرب على داعش بصورة اوسع لتشمل ضبط إيران وعميلها في دمشق (الأسد)، بما ان تصرفاتهما هي التي أدت الى صعود داعش في العام 2013”.

هذه المهمة الاميركية المطاطة في سوريا، لا يبدو أنها تعجب بوتين، الذي يسعى لإظهار سوريا وكأنها أصبحت في جيب روسيا، وهو لهذا السبب، لم يترك مناسبة إلا وأذلّ فيها “حليفه” الأسد، تارة بدعوته للوقوف في سوتشي وحيداً أمام بوتين وجنرالاته، وطوراً في زيارة بوتين قاعدة حميميم العسكرية الروسية في سوريا، من دون مراسم ولا سيادة سورية، وبحضور فردي للأسد، مرة أخرى.. ثم يأتي مشهد إمساك الضابط الروسي بذراع الأسد لثنيه عن اللحاق ببوتين لوداعه أمام الطائرة، ليؤكد، مراراً وتكراراً، الذلّ الذي يبدو أن بوتين يتقصد إنزاله بالأسد.

إمساك الولايات المتحدة وحلفائها بمساحة شاسعة من سوريا شرقي الفرات، وفي الجنوب، تفسد على بوتين محاولته تصوير نفسه سيداً للأسد وسوريا. لذا، يكرر بوتين أن روسيا تسحب قواتها من سوريا، في محاولة لحمل الاميركيين على القيام بخطوة مماثلة. لكن القوة العسكرية الاميركية، التي يمسك بها الجنرالان جيمس ماتيس وزير الدفاع وهنري ماكماستر رئيس مجلس الأمن القومي، لا تبدو مستعدة للتنازل لبوتين عن شرق سوريا، وقيام مقاتلاتين اميركيتين بطرد نظيرتيهما الروسيتين، بعدما قاربت المقاتلات المتواجهة الاصطدام. وهي رسالة حاسمة من ماتيس وماكماستر الى بوتين، مفادها أن أميركا مستعدة لقتال روسيا للبقاء في شرق سوريا، وهو موقف أميركي لا يملك بوتين وسيلة أو حيلة للتعامل معه أو التخلص منه، وهو ما يغيظ الروس.

“نعتقد أنه بعد الانتصار على داعش، لم تعد هناك جدوى لبقاء قوات التحالف بقيادة أميركية في سوريا، خصوصاً أنهم لم تتم دعوتهم من الحكومة السورية”، يقول السفير الروسي في جنيف اليكسي بورودافكين في تصريح نقلته وكالة “تاس” الروسية الرسمية.

خلافاً لما يعتقد البعض، ليس الوجود العسكري الروسي في سوريا دليلاً على عودة القوة الروسية العظمى الى سابق عهدها، بل هو دليل مرور الولايات المتحدة بمرحلة اختلال توازن سمحت للقوى الأصغر، مثل روسيا وايران، بالإبقاء على صورة رئاسة الأسد، بلا رئاسة ولا سيادة. لكن حتى في أوقات انعدام توازنها، تلتزم القوة الاميركية بمصالحها القومية في حدها الأدنى، وتكشّر عن انيابها، في وجه بوتين او غيره، عندما يحاول الرئيس الروسي امتحانها.

أما الرئيس الاميركي دونالد ترامب، فمنشغل عن شؤون العالم بإهانة خصومه السياسيين، من حزبه أو حزب معارضيه، وغارق في أزمات تبقيه غافلاً عن السياسة الدولية، التي يديرها الجنرالات، وهو ما يظهر رهان بوتين على ترامب رهاناً خاسراً بعض الشيء.

مقالات متعلقة

  1. أي فوضى فعلها ترمب؟
  2. خيارات تركيا في سورية كلّها مجازفات بلا ضمانات
  3. الانسحاب الأميركي يترك روسيا وإيران وتركيا في الفخّ
  4. «لاخطة» ترامب والفوضى

صحافة عربية

المزيد من صحافة عربية