"ظلام المدينة يتناغم مع ظلام قلوب حاكميها"
الأسد يحرم موظفي الرقة من رواتبهم، و “داعش” تمنعهم من العمل
سيرين عبد النور – دير الزور
يستعد أبو حسن في الأول من كل شهر لرحلته الشاقة من الرقة إلى دير الزور، قاطعًا حوالي 120 كيلومترًا في مناطق “غير آمنة”، ليستلم راتبه من محاسب مديرية التربية في حي الجورة، بعد أن أوقف الأسد رواتب موظفي الرقة إبان خروج المحافظة عن سيطرته، ثم أحالها إلى مناطق أخرى مازالت تحت سيطرته.
يقول أبو حسن، وهو معلم متقاعد منذ سنوات، “أعتبر نفسي محظوظًا، فهناك الكثير من المعلمين الذين يتم صرف رواتبهم كل شهرين أو ثلاثة أشهر”، لكنه لا يخفي مشقة السفر إلى الدير لندرة وسائل النقل وانتشار حواجز تابعة لتنظيم “الدولة” أو الأسد على الطريق الذي بات “قطعة من العذاب”.
وأضاف “انعدام الراحة وأرق الرحلات” ضغطًا إضافيًا على أبو حسن، إذ يقول وهو يشير إلى حبوب يحملها في جيبه “أنا مصاب بعدة أمراض وقلبي ضعيف، لا أستطيع تحمل كل هذه المشقة والازدحام”.
وتمثل مشكلة السفر عبئًا إضافيًا على الموظفات، خصوصًا بعد الضغوط والمساءلة التي فرضها مقاتلو “الدولة” على النساء، كالحجاب الشرعي واصطحاب المُحرم، لتحجم العديد من الموظفات عن التنقل خارج مناطقهن تلافيًا للشتم أو التقريع، الأمر الذي حرمهن من استلام الرواتب.
لكن بعض النساء تضطر للسفر رغم المضايقات، كحال أم سامر، النازحة من دير الزور إلى الرقة بعد استشهاد زوجها قبل سنتين في حي الجبيلة، إذ تقول “علينا أن نقف كل شهر عند مكتب شؤون المحرم لنشرح للشيخ أوضاعنا، وفي النهاية إما أن يقبل أو يرفض ويطردنا لنعود له في يوم آخر”، مشيرةً إلى إهانة بعض النساء “إحدى النسوة قبلت قدم الشيخ عدة مرات ليتركها تسافر”.
وتشير أم سامر إلى حاجتها “الماسة” إلى راتب زوجها، كي تسد رمق أطفالها الثلاثة بعد تخلي الناس عنها “بت أشعر بالغربة في بلدي وأعيش مسجونة داخل بيتي.. لم أعد أتنفس”.
ويحاول الموظفون تخفيف مشقة الحصول على رواتبهم عبر عدة طرق، أبرزها افتتاح مكاتب لمندوبين يحصلون على وكالات من الموظفين، ثم يتسلمون الراتب من المحاسب، وينقلونها إلى أصحابها متقاضين نسبة تصل إلى 8% من إجمالي الراتب، ويرى البعض التكلفة معقولة مقارنة بمشاق السفر وتكاليفه التي تزيد غالبًا عن النسبة المقتطعة.
ولم تتوقف المعاناة عند السفر، بل تعدت ذلك إلى حرمان بعض الموظفين في الرقة من العمل، على غرار محمد، وهو مهندس في العقد الثالث من عمره، يعيل طفليه ووالده المقعد من عمله في شركة الكهرباء، لكن “الدولة” أوقفته عن العمل مؤخرًا لرفضه مبايعتها أو مناصرتها والعمل في صفوفها.
يقول محمد “لقد أوقف وزير الكهرباء في حكومة الأسد صرف أجورنا الشهرية، ولم يوافق على طلبات النقل التي قدمها بعض العاملين إلى المدن الأخرى التي لاتزال تحت سيطرة النظام”.
ورغم انقطاع راتبه منذ 7 أشهر، إلا أن محمد استمر بالعمل محاولًا مساعدة أهالي المدينة، إلى أن أخبره مقاتلو التنظيم بأنه “غير مرغوب به” في شركة الكهرباء، تزامنًا مع قرارات تقضي بطرد عدد من العاملين في قطاعات مختلفة وتعيين عناصر من التنظيم مكانهم، وكان آخرها إقالة مدير سد الفرات المهندس نجم الينية، وتعيين مهندس سوداني مكانه.
وباتت مرافق الرقة عرضة للتلف والأعطال، بسب غياب اليد العاملة ذات الخبرة وقلة الصيانة، وانعكست الممارسات بحق الموظفين على البنية التحتية الخدمية للمدينة، إذ بقي -على سبيل المثال- 80% من أحيائها دون كهرباء لعدة أيام بسب عطل في كبل التوتر “66”، عجز عناصر التنظيم ومن بقي من عمال شركة الكهرباء عن إيجاد مكان العطل؛ ما جعل المهندس محمد المطرود من شركة الكهرباء يصف الحال بالقول “ظلام المدينة يكاد يتناغم مع ظلام القلوب والعقول للحاكمين هنا”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :