خطيب بدلة
الخبر الذي نشرته صحيفة “عنب بلدي” عن إطلاق سراح مدير التربية والتعليم في محافظة حلب محمد مصطفى من قبل حركة نور الدين الزنكي بعد الاحتفاظ به خمسين يومًا، ذكّرني بالأيام الأولى للثورة، حينما اهتدى بعض ثوارنا الأشاوس إلى فكرة عامرة بالإبداع والألمعية اسمها “التَجْويل”؛ وتكون بأن يقعد بعض الثوار المسلحين على الدرب، لشخص ما، على طريقة كاظم الساهر (لأكعد لك ع الدرب كعود)، فما إن يظهر حتى ينقضّون عليه، ويضربونه كم بوكس لفتح الشهية، ثم يفتحون “الباكاج” الخلفي للسيارة ويدحشونه فيه مثل جَزّة الصوف، ويسيرون به في طريق لم يعرف طعم التزفيت منذ أيام جدي الحاج خطيب، وهكذا دواليك حتى يغيب في مكان لا يأوي إليه أحد، وينقعونه هناك إلى أجل غير معلوم.
أهالي الأشخاص “المُجَوَّلين” لا يمكن أن “يكعدوا” على الدروب “كعود” وينسوا أبناءهم، وسرعان ما يهرعون إلى الثوار الذين لا يؤمنون بالعنف والتجويل، مثل حضرتي، طالبين منهم التدخل لاستعادتهم، ومَن كان يعرفني يأتي إليّ في بيتي بحي البيطرة، ومن لا يعرفني يذهب إلى أحد أصدقائي راجيًا إياه أن “يعمل لي تلفون” لكي أساعده في تحرير ابنه، وهكذا كنت في الأيام الأخيرة من سنة 2011 ومطلع 2012 أستيقظ صباحًا على صوت حسن قصاب قائلًا: الحقنا يو خاي أبو مرداس الشباب “مجولين” فلان.. أو على صوت نواف علولو أو محمد البارجّي أو شقيقي دريد يطالبونني بالتدخل لأجل أشخاص مُجَوّلين، فأغادر البيت بسيارتي الفيرنا إلى مكتب الصديق المهندس راغب دخان لأشركه معي في رحلة البحث الشاقة عن المواطنين الذين قمنا بالثورة لأجل إسعادهم وإذا بنا “نجوّلهم!”.
كانت عمليات التجويل تشمل رجلًا يشتبه بأنه قريب من النظام، ورجلًا آخر تكتظُّ خزينته بالمال، وثالثًا عائدًا من إجازته العسكرية، ورابعًا من كفرية، وخامسًا من كفتين، وسادسًا لديه سيارة فول أوبشن مع فتحة سقف.. وكنا نمضي النهار وأطرافًا من الليل ونحن “ندقدق تلفونات” ونسأل السادة الذين أصبحوا قادة فصائل عن الشخص “المجوَّل”، والكل يقولون لنا عبارة واحدة: والله مو عنا، بس إذا منلاقيه منحكي معكم.
نجحنا، حقيقة، في تخليص بعض المجولين، وبعضهم الآخر قُتل ورميت جثته على الطرقات.
وأما أنا، ففي آذار 2012 نَقلت مكاتبي الثورية إلى مسقط رأسي معرتمصرين، وفيها حصل معي ذلك الأمر الغريب الذي يشبه القفلات القصصية البارعة، وهو أنني هُدّدت بـ “التجويل” إن بقيت مصراً على منع بعض قادة الفصائل من تهريب المازوت! فسافرت إلى حلب، وهناك ضاقت بي الأحوال، لأن حلب تحولت إلى ساحة معارك كبيرة، فلجأت إلى تركيا، وبقيت أتابع أخبار التجويل، والتجويل المتبادل بين الإخوة قادة الفصائل المجاهدة، وآخرها تجويل مدير التربية المذكور!
أخيرًا: عليّ أن أنوه إلى أن معارضي النظام السوري مهما ارتكبوا من حماقات وحقارات وجرائم فهم لا يصلون إلى نسبة الـ 5% من حماقات النظام وحقاراته وإجرامه.