عنب بلدي – إدلب
ربما لم يتوقع أحد من الذين شهدوا استهداف بنك الدم في مدينة سراقب بإدلب، أن يخرج من بينهم شخص يحوّل ذعرهم وخوفهم في تلك اللحظات إلى لوحات فنية كاريكاتيرية عن الصمود والتحدي، فقد سجلت الحادثة الدامية حضورها في معرض الكاريكاتير الأول الذي أقيم في سراقب من 9 إلى 12 كانون الأول 2017.
ومن بين الشهود على تلك الحادثة كان الفنان بلال موسى، الذي لفتته استجابة الإسعاف وفرق الدفاع المدني لنجدة الضحايا بعد الغارات الجوية مباشرةً، ووجد في المعرض فرصة مناسبة لتقدير جهود هؤلاء الأشخاص، حسب قوله لعنب بلدي.
يكتسب المعرض الذي تنظمه حملة “سوريا بعيون إدلب”، أهميته من جمع الفنانين في المنطقة، بحسب موسى، والتأكيد على وجودهم ونشاطهم بينما يتم تصوير إدلب وكأنها جبهة عسكرية فقط، فضلًا عن إمكانية القيام بأعمال مشتركة بين الفنانين مستقبلًا تسهم بتغيير الصورة النمطية عن محافظتهم.
ويأمل موسى أن يلفت المعرض نظر المهتمين بدعم هذا المجال، لتشجيع الهواة عبر مجلات خاصة بالكاريكاتير، وغيرها من المشاريع التي من شأنها تنشيط هذا الفن.
أما عن الدافع الذي قد يُشجع المهتمين لدعم الكاريكاتير، فهو قدرته على الوصول إلى جميع شرائح المجتمع، وتجاوزه للصعوبات التي قد يواجهها الناس في التقاط معنى التصاميم والصور الفوتوغرافية والبوسترات، بحسب موسى، وهو ما لمسه فعلًا من تقبل الناس للمعرض كونه يوصل رسائل مهمة بخفة وضحكة محببة للجميع، وفق تعبيره.
وإحدى أهم فضائل الفن هي قدرته على مساعدة الفنان ومجتمعه على اكتشاف أنفسهم، والروابط التي تجمعهم ببعضهم البعض وبوطنهم، فكما رأت أمريكا أن تمثال الحرية رمز يختصر هويتها، رأى موسى مثلًا أن المسعفين وأصحاب الخوذ البيضاء هم رمز سوريا الآن، في لوحة سمّاها “تمثال الحرية السوري”، يجسد من خلالها صمود المسعفين رغم الدمار المحيط بهم. وإلى جانب هذه اللوحة الرمزية، يظهر وجه “حازم”، المتعب، وهو أحد رجال الدفاع المدني المؤثرين في سراقب.
وعلى الرغم من كون المعرض هو الأول من نوعه في منطقة تعاني ظروفًا معيشية وأمنية صعبة، إلا أن الاهتمام الشعبي بالاطلاع على هذه التجربة كان لافتًا بالنسبة للقائمين على المعرض، بالرغم من تفاوت كثافة الحضور باختلاف الأوقات.
وبحسب منسق المعرض، رواد رزاز، فإن حملة “سوريا بعيون إدلب” انتبهت لوجود العديد من المواهب الشابة في مناطق المعارضة، لكنها كانت مكبوتة بسبب الظروف المحيطة بها، فسعى هذا المعرض ضمن العديد من المشاريع الأخرى التي تشمل الشعر والسينما، إلى إظهار هذه المواهب وتنميتها وتحفيزها على الاستمرار وتشجيع الشباب الآخرين على اكتشاف مواهبهم، وهو ما سيسهم بدوره في تغيير صورة إدلب ليس في الوقت الحالي فقط، وإنما سيغير الصفة التي لازمتها طوال عقود من حكم نظام بشار الأسد بوصفها من “المدن المنسية”.
محمد الخاني، أحد أبناء مدينة سراقب، أبدى سعادته بالتجربة التي تفتقر لها المدينة، آملًا أن تشهد المدينة وغيرها من مناطق إدلب، المزيد من هذه النشاطات في الفترات المقبلة، وفق حديث له مع عنب بلدي.
وتفاعل الحضور بإيجابية مع اللوحات التي جسدت صمود المسعفين، وتلك التي لفتت النظر مجددًا إلى معاناة المعتقلين، كونهم يحتاجون حقًا لمن يوصل صوتهم من عتمة المعتقلات التي يعيشون فيها، وفق بعض الزوار.
ويشمل المعرض تصويتًا على أفضل لوحة سيحصل صاحبها على جائزة تقديرًا لجهوده، وهنا لفت محمد، أحد زوار المعرض، أن اللوحات تحمل أرقامًا فقط، دون تحديد اسم الرسام، وهو ما اعتبره خطوة دعمت شفافية التصويت، الذي سيستهدف المحتوى بمعزل عن شخصية الرسام.
وبحسب محمد فإن اللوحة التي صورت سوريا غارقةً في الماء ولم يبق منها سوى نقطة واحدة بارزة، هي الشمال السوري، هي أفضل ما رآه في المعرض.
وفي حين رأى بعض الزوار أن أعمال المعرض لم ترق إلى المستوى المطلوب، لم يوفروا جهدًا بالقدوم من بلدات ومدن حول سراقب، لدعم المواهب الناشئة وشراء بعض من لوحاتهم، وفق ما صادفت عنب بلدي من بعض الزوار القادمين من أريحا.
ويأمل بعض المهتمين والمتابعين أن يشهد فن الكاريكاتير نهضة في المجتمع المحلي بإدلب، كونه أكثر الفنون قربًا للثقافة الشعبية، وتوكل إليه مهمة نقد السلطات السياسية والاجتماعية.