عنب بلدي ــ العدد 133 ـ الأحد 7/9/2014
“ما بعرف.. لم نعد نتابع أخبار البلاد، كل منا انشغل في حياته اليومية، وفي إيجاد أبسط مقوماتها”.
بهذه الكلمات يجيب عمر (30 عامًا) عند سؤاله “شو الأخبار؟”، فقد غرق ما تبقّى من سكّان حمص بأزمة يوميّة بين الكهرباء والماء والسكن وانحدار لمستوى كافّة أنواع الخدمات.
على أبواب المنازل يجتمع كلّ ليلة عدد من رجال الحيّ المتجاورين؛ في عادة لم تكن مألوفة من قبل، يقضون اللّيل بقصص عن تجارب وأحداث من الماضي.
أبو مهنّد رجل في الستين من عمره يقول متحدثًا لعنب بلدي “نحن مجموعة من كبار السن نسبيًا، سافر العديد من أبنائنا واستشهد البعض واعتقل الآخرون، نجتمع كل ليلة هنا ونتبادل الأحاديث، غالبًا من الماضي، فلا شيء في الزمن الحاضر يمكننا الحديث عنه دون غضب وانفعال.. ببساطة نمضي ما تبقّى من أعمارنا”.
يتابع أبو مهنّد حديثه مستحضرًا ذكريات الفترة التي عاشها أيام الثمانينات “حيث كان الحصول على أيّ شيء صعب. المؤونة، المحروقات، الكهرباء، بالإضافة إلى كمّ الأنفاس”
وعلى خلفية الانقطاعات الطويلة والمستمرّة للتيّار الكهربائيّ عن المدينة باتَ على الكثير مواجهة واقع مشحون بالتّوتّر الناتج عن التعامل مع واقع مظلم وظالم، فمن غياب أنوار الشوارع إلى غياب أيّ نور واضح لآخر النفق الذي دخلت فيه الحالة السورية، يتأرجح المجتمع مرتبكًا من ركود المشهد السياسيّ والعسكريّ “البائس” الذي آلت إليه ثورتهم.
وبما أنّ الأزمات اليوميّة باتت العنوان الرئيسي لكلّ الأحاديث المتبادلة فيما بينهم فقد تصاعدت وتيرة الأصوات التي تنشد الهروب من جحيم تلك الأزمات وباتت الهجرة محورًا لكثير من الأحاديث التي تناقش المستقبل، وهذا ما تحدث به عدد من شبان حمص لعنب بلدي.
أحمد، يجري دورات المحادثة في اللغة الإنكليزية استعدادًا لسلوك طريق الهجرة غير الشرعيّة مع عائلته، “لم يعد لديّ ما يجبرني على البقاء في البلد وقد فقدت منزلي، عملي، أصدقائي.. سأهاجر لأنّني لا أريد إضافة مستقبل أولادي إلى قائمة خساراتي”.
وكذلك يؤكد جابر، الطالب في قسم الرياضيات، “لا تصدّق شابًا يقيم هنا ولم تخطر بباله الهجرة بمختلف وسائلها، مجرد التخطيط لامتلاك مستقبل آمن يعني الخروج من البلاد، بلا عودة غالبًا”.
من جهة أخرى يخالف العديد من الشبّان والشابّات هذه الآراء، فمنهم من يرى في البقاء سبيلًا لتحسين مستوى الحياة في البلاد، ومسؤوليّة وواجبًا يقع على عاتقهم.
تقول جميلة، الطالبة في كلية الصيدلة، “الجميع يهرب من مسؤوليّة كونه إنسانًا فاعلًا ومؤثّرًا، نفضّل دومًا رمي كلّ شيء باتجاه الظروف والأحوال العامّة، الظروف قاهرة نعم، ونحن بتنا مجرّد حجارة على رقعة مصالح الأمم، الكلّ يعلم ذلك لكنْ الحل حتمًا ليس بهجرة كلّ تلك الطاقات والعقول الشابّة، المستحيل هو ما نظنّه مستحيلًا”.
يتشابه هذا الرأي مع وجهة نظر ناظم، طالب الهندسة المدنية، “الكثير منّا يشكو ويتذمّر ثم يشتم ويغضب ويفكّر بالذهاب بعيدًا، دون أنْ يساهم بأيّ محاولة لتسهيل تأقلمه مع الظروف المحيطة، في النهاية لابدّ من نهاية لكلّ ذلك وعندها لابدّ أنْ نكون مستعدين لتشكيل وبناء ما حلمنا به”.
في النهاية قد يظنّ البعض أنّ للأزمات والمصاعب اليوميّة آثار آنية تنتهي بتحسنّها أو زوالها دون أن نعي أثر ذلك على طريقة تفكير الناس، أولويّاتهم، وجهتهم، ووعيهم وتفاعلهم مع القضايا الكبرى.
وبات يضاف اليوم إلى مسؤوليّات معالجة آثار الحوادث الإجراميّة والكارثيّة واجب التخلّص من آثار الأزمات اليوميّة.