جراح أهالي المعتقلين، سبيل جديد للاحتيال
عنب بلدي ــ العدد 133 ـ الأحد 7/9/2014
هبة الأحمد – ريف دمشق
تنوعت وسائل السرقة وتعددت طرق “النصب” والاحتيال مستفيدة من الظروف المؤلمة التي تمر بها العوائل السورية، ونشط تجار الحروب وسماسرة الأزمات ليخرجوا بوجه جديد وطرق جديدة ليكسبوا مزيدًا من المال ويكنزوا الذهب عبر اللعب على وتر أعصاب الناس المشدودة والرقص على جراحهم المفتوحة.
يرن الهاتف عند أم أحمد، التي تفطّر قلبها على ابنها ورسم الهم والحزن هالاته السوداء حول عينيها، تجيب ليخبرها المتحدث أن ابنها على قيد الحياة وهو واثق من ذلك وأن الأخبار التي وصلتها عن وفاته تحت التعذيب غير صحيحة، ويخبرها أن بإمكانه أن يسمعها صوت ابنها لكن الأمر يحتاج مبالغ طائلة، وتجيب أم أحمد أنها مستعدة أن تبيع عيونها لقاء سماع صوته، وتدفع له المبلغ الذي أخبرها به “بشق الأنفس”، وبعد يومين يصلها جثمان ابنها الذي قضى نحبه تحت التعذيب.
نور تتحدث عن أبيها الذي اعتقل للمرة الثانية، دون تهمة واضحة، وعن الاتصالات التي تخبرهم أن وضع أبيهم في خطر وأن بالإمكان إخراجه بسرعة أكبر وإنقاذه إن دفعوا مبلغًا قدره مئة ألف، بحيث يكون المبلغ على دفعتين، الأولى أثناء السعي لإخراجه من المعتقل، والأخرى بعد أن يعود إلى بيته.
تقول نور “دفعنا نصف المبلغ تحت ضغط عاطفة أمي وخوفها على والدي، واختفى الرجل بعد ذلك كما توقعنا”.
أما أم خالد، فتقول إن زوجها خرج فعلًا من المعتقل بعد ثلاثين يومًا من دفعِها أربعمئة ألف للرجل الذي عرض المساعدة، واعدًا أم خالد أن زوجها سيكون على باب بيتها في أقل من شهر. “صحيح أن زوجي لم يصل إلى البيت وإنما تم تحويله إلى سجن عدرا، ولكن يبقى السجن ألف رحمة مقارنة بالمعتقل”.
لكن الرجل لم يفعل شيئًا لأبي خالد ولم يقدم أي مساعدة، فأبو خالد -كما أخبر زوجته- قد انقضت محاكمته تلقائيًا في الفترة المحددة قانونيًا لها وكل ما كان من أمر الرجل أنه استطاع أن يتوقع حدوث ذلك.
على مبدأ الدجالين والعرافين الذين يخلطون خبرًا صادقًا بعشرة أخبار كاذبة يعمل سماسرة الحروب، يخبرون أهل المعتقل أن بإمكانهم إخراج المعتقل من الفرع بعد مدة معينة، قد تطول أو تقصر، معتمدين في ذلك على معلومات بسيطة يعرفونها، مثل أن محاكمة المعتقل يجب أن تتم بحوالي الستين يومًا، فيتوقعون لمن قضى أربعين يومًا أنه سيخرج بعد عشرين يومًا، ويطلبون من أهله مبلغًا كبيرًا، فإن خرج المعتقل في هذه الفترة زعموا أنهم هم من أخرجه ونسبوا الفضل لأنفسهم وكسبوا ثقة الملتاعين من بسطاء من الناس، في حين يكون المعتقل تحول من الفرع أو أطلق سراحه بعد انتهاء محكوميته من تلقاء نفسها، وإن خابت توقعاتهم زعموا أنه ليس باليد حيلة وأنهم حاولوا جهدهم، واستمروا بلعبتهم في تخويف الناس وجني المزيد من الأموال.
وعندما سئلت أم صلاح عن سبب استمرارها في دفع الأموال لمن يعدها بإخراج ابنها، قالت، وقد تجلى العجز في شحوب وجهها، “أنا أعلم أن الغش هو القاعدة، ولكن الموت بدأ يلامس كتفي وأنا مستعدة لإنفاق كل ثروتي لأتشبث بحلم أقرب للوهم أن أرى ابني قبل أن يغدرني الموت وتغادرني الحياة”.
المحتالون يعرفون هذه المعاناة، ويعرفون من أين تؤكل الكبد، وعلى أمثال أكباد أم صلاح يقتاتون، فيفرغون جيبها من الأمل والنقود ويملؤونها خيبة وحسرة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :