جريدة عنب بلدي – العدد 20 – الأحد – 17-6-2012
أعدك أنني سأعيد ترتيب الفوضى التي أثاروها في منزلنا، إذ دخلوا فجأة ودون أن يقرعوا جرس بيتنا.. لم أكن أعرفهم قبلًا.. لكنك علمتني أن أستقبل الضيوف وأن أحترمهم، وها قد فعلت.
كنت حزينًا جدًا على حزن والدتي، إذ داسوا بأحذيتهم المتسخة الملطخة بالدماء على سجادات منزلنا، وأنا أعلم أن أمي تعتبر المنزل جزء منها، وتهتم به كاهتمامها بنفسها، وبذلك قد داسوا على قلبها، بل وزلزلوا كيانها، ولكنني لم أحرّك ساكنًا أمام فعلهم هذا.
وعندما اقتربوا منك وصفعوك بأياديهم على وجهك الأيمن الملائكي أصابني دوار دهليزي في أذني اليسرى، إذ خلت أن الصفعة اصطدمت بأذني اليمنى وخرجت من اليسرى، بعد أن مزقت ما بينهما، فلم أعد أقوى على الحراك وإبعادهم عنك.
وحينما وضعوا القيود في يديك، كأن يداي هما اللتين كُبّلتا، فلم أستطع أن أفك قيد يديك بيدي المقيدتين أيضًا، فاعذرني وسامحني واعذر زلاتي.
ربما ستسألني يومًا لمَ لم أبح بكلمة ولم أصرخ في وجههم، فاعذرني إذ اختنقت كلماتي داخل حنجرتي، وكأنه – كما تقول جدتي- جانٌّ تملّكني ومنع صوتي أن يصدح عاليًا، فإذا باللصاقة التي وضعوها على فمك أعطت مفعولها عندي، وكأنها أُلصقت على فمي، حتى القطعة القماشية التي غطوا عينيك بها، حرمتني رؤية سماء وطني تلك الليلة، ولم أعد أرى شيئًا، فلم ألمحك وهم يبعدونك خارج المنزل، إذ أسرعت لأقف أمام أختي الصغيرة كي لا ترى هذا المشهد، ولا ترسخ في ذاكرتها صورة حماة الديار وهم يعيثون فسادًا داخل الدار، ويقودون رب الدار خارجًا.
عذرًا منك أبي! فقد كنت الوطن بالنسبة لي، وأكبر من الوطن الذي كنت ترسمه أمامي وقد قُسّم بين المستهترين به وبخيراته، فأرجوك أن تسامحني لأن إخراجك بهذه الطريقة العام الماضي، وعدم عودتك حتى الآن قد حطم كل المعادلات التي كنت أتعلمها، ابتداءً من إكرام الضيف وحسن استقباله، مرورًا باحترام الكبير وتوقيره، وانتهاء بلحظة أنتظر أن أراك فيها عائدًا إلى عرشك الأبوي، إذ باتت تلك اللحظة طيفًا لا يفارق مخيلتي، وأنا أقبّل يديك لتعذر قلة حيلتي أمام هوانك على سجانك.