المجالس المحلية بشكلها الحالي .. هل هي نواة لـ “سوريا المستقبل”

  • 2014/08/31
  • 10:44 م

حسن ممس

كان التعويل كبيرًا من قبل دعاتها والمتحمسين لفكرتها، باعتبارها الشكل الأمثل لإدارة شؤون المناطق الثائرة وتلك التي خرجت من تحت سيطرة قوات النظام، والقيام بمهام الإغاثة والدعم الاجتماعي، والسيطرة على السلاح تحت الغطاء الاجتماعي الذي توفره المجالس. وبالتأكيد كانت المجالس المحلية هي اللبنة الأساسية لبناء “سوريا المستقبل” وإعادة إعمارها بعد رحيل النظام. إلا أن هذه الآمال لم تتحقق بالشكل الذي حلم به الكثيرون، وغدت بعض المجالس ميدانًا للمقاولات السياسية بين مختلف أطراف المعارضة والداعمين لها، مما جعلها عرضة للفساد السياسي والإداري والمالي، إضافة إلى أنها لم تقم بمهامها بالشكل المطلوب.

في البداية عملت عدة أطراف داعمة على إيصال مرشحيها إلى المراكز المفصلية في المجالس، دون الأخذ بعين الاعتبار مقياس الكفاءة أو رضا أهل المنطقة عن هؤلاء، وعملت على دعمهم ماديًا، ومن ثم شكلت تلك الأطراف مراكز قوى ونفوذ في تلك المجالس.

وفي حالات أخرى تم فرض المجالس المحلية على المناطق والبلدات، أو إنشاء مجالس خلبية لم تشهد أيّ حراك ثوري، وفي كثير من الأحيان كان رؤساء المجالس مقيمين خارج سوريا منذ عقود. وإذا كانت بعض المجالس التي نسمع بها قد أقيمت على هذا الأساس، فهنالك مجالس أخرى نشأت مع الحراك الثوري أكثر رسوخًا ودون تدخل أو وصاية من أحد، ولعلّ مجالس ريف دمشق هي الحالة الأمثل عن المجالس الحقيقية التي نشأت في المناطق الثائرة بمبادرة حرة من أبناء تلك المناطق. فمثلًا يتمتع المجلس المحلي لبلدة برزة بأهمية خاصة، كونه أول مجلس محلي كامل الأركان في ريف دمشق، وقد علقت عليه الكثير من الآمال بوصفه نموذجًا للمناطق المحررة.

إن ما أفرزه التحرك العفوي للمجالس المحلية يمكن البناء عليه والاستفادة منه بشكل أكبر مما هو عليه الآن، وهذا ما يجري فعلًا على الأرض. لكن أولًا يجب أن يكون العمل متوافق مع المبادئ الأساسية لعمل هذه المجالس، وهي:

1- إن هدف الهيئات والمجالس المحلية هو إيجاد صيغة محلية واقعية لمواجهة تحدي تقديم الخدمات العامة في ظل الثورة وظروف التدمير التي يفرضها النظام، وصولًا إلى الانتقال لتأسيس حياة عامة يسودها مبدآ الكرامة والحرية على كامل التراب الوطني.

2- إن مهمة المجلس المحلي المباشرة هي مواجهة تحديات حفظ وإدارة الحياة في زمن الثورة في ظل التدمير الذي يقوم به النظام، وليس الصراع على شكل الحكم الذي سيقوم في البلاد بعد الثورة.

إن إسقاط النظام لا يكتمل برحيله فقط، بل بحفظ مؤسسات الدولة وإمكانيات انتقالها إلى ما بعد سقوط النظام، وتمكينها من أن تقوم على مبدأ تغليب صون كرامة السوري وحريته على أي اعتبار آخر.

3- لا يتطلب عمل المجالس المحلية في هذه المرحلة خلق مؤسسات جديدة من العدم، بل إعادة إحياء مؤسسات الدولة السورية القائمة من دون سيطرة النظام، أو استعادتها من النظام وإرجاعها إلى المجتمع لتحاكي بفعالية هموم الحياة فيه، ولتمارس دورها الطبيعي في أن تكون متوجهة لخدمة السوري وحماية حقوقه ومصالحه بحيادية.

يتطلب في كل الأحوال من المجلس المحلي أن يكون منفتحًا دائمًا وقابلًا لضم كل مكونات المجتمع المحلي، بما في ذلك تلك التي لم تشارك في الثورة، وتأمين ظروف التقاء السوريين والتداول في أمورهم العامة مهما اختلفت آراؤهم وانتماءاتهم.

4- لكي يكون عمل الهيئات والمجالس المحلية فعالًا وضامنًا لوحدة البلاد، يجب أن يتم تنسيق العمل بشكل موحد على مستوى كامل البلاد، سواءً أكان ذلك في المناطق “المحررة” أم تلك التي ما زالت تحت سطوة النظام.

5- إن الثورة مهما طالت هي ظرف استثنائي، وإشكالية إدارة الشؤون العامة وضروراتها أثناء الثورة لا يمكن التعامل معها وفهمها من الأعلى ومن منظور حكومة بيروقراطية الكفاءات. لقد كشفت المعطيات الموضوعية المحلية والإقليمية والدولية عن أن ظروف تمكين هذا الطرح ما زالت غير محققة.

6- إن إعادة مؤسسات الدولة إلى المجتمع يتطلب في هذه المرحلة أن تمارس هذه الهيئات والمجالس المحلية وظائف الإدارة العامة بما لا يتعدى حدود ما هو ضروري، لدعم صمود الشعب أثناء الثورة، وتأمين الخدمات، والمحافظة على أموال الدولة وسجلاتها وعلى مصادر الثروة الوطنية سواءً الاقتصادية أم الثقافية.

وحين تلتزم المجالس المحلية بهذه الأمور وتقوم بحماية منشآتها الحكومة والتعليمية وتطويرها وجلب الكفاءات والخبرات الكفيلة بإدارتها سوف تكون هذه المجالس نواة لبناء سوريا المستقبل، وحجر أساس في رقيها وتقدمها بعد سقوط النظام وزواله.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا