لم تلبّ جولات جنيف الأربع الأولى التي شارك فيها “المجلس الوطني الكردي” طموحات الكرد في سوريا، فبعد الخلافات السياسية والشخصية مع المعارضة خلال الجولتين الأولى والثانية، ونصائح مندوب النظام، بشار الجعفري، للكرد بتناول “البانادول” للتخلص من الوهم في “جنيف3″، لم يتسلم مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، ستيفان دي مستورا، مطالبهم لوثيقة “جنيف5”.
وبناء على ذلك، علّق “المجلس الوطني الكردي” حضوره في “الهيئة العليا للمفاوضات”، وأنهى المشاركة الكردية الوحيدة في عملية جنيف القائمة على التفاوض السياسي الساعي للوصول إلى حل سلمي ينهي الصراع في سوريا.
ومع بدء جولات أستانة، التي تناقش تجميد الصراعات العسكرية، لم يصل ممثلو المجلس إلى كازاخستان سوى مرة واحدة في الجولة الأولى للمفاوضات، ثم توقفت تلك المشاركة، ليقتصر وفد المعارضة بعدها على ممثلي الفصائل العسكرية والهيئة العليا للمفاوضات.
التغيير الأكبر كان في وثيقة “جنيف8” التي لم ترَ النور بعد، إذ نصت الوثيقة التي اقترحتها المعارضة السورية على بنود تصب في صالح مطالب الكرد، وهي إقرار اللامركزية السياسية في سوريا، والاعتراف بحقوق المكونات العرقية والدينية والطائفية.
إلا أن هذه البنود إلى جانب الإصرار على رحيل الأسد بداية المرحلة الانتقالية، لم تقابل بتساهل من قبل النظام، بل رفضها بشكل قطعي وعلق بناء عليها مشاركته في المحادثات.
وبينما كان “المجلس الوطني الكردي” يشارك بلا فعالية في بعض الجولات التفاوضية لإيصال مطالب الكرد، وعلى رأسها “الفدرالية”، إلى وثائق التفاهمات السياسية، كان حزب “الاتحاد الديمقراطي” يسرح ويمرح في فدراليته التي أعلنها من طرف واحد دون مرجعية دستورية، ولم يكن بحاجة إلى اعتراف أحد أو وعود مستقبلية بالاعتراف به.
“فدرالية الكرد” تبعدهم عن التفاوض
لم يعترف النظام خلال مشاركته في مفاوضات الحل السلمي في سوريا بوجود الكرد ككيان سياسي منفصل ومستقل، كما لم يتعامل مع تمثيل “المجلس الوطني” سوى على أنه جزء من المعارضة المندرجة تحت مظلة “الائتلاف الوطني” وما يرتبط به من منصات أخرى.
ورغم محاولات فهم موقف النظام على أنه تهميش ظاهري يخبّئ خلفه مناورة عبر وسيط روسي، إلا أن تصريحات مسؤولي النظام القليلة كانت تنسف هذا التصور مرارًا.
“السوري أولًا”.. النظام يهمش الكرد من منطلق “وطني”
ممثل النظام في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، عبّر من جنيف عن ضرورة عدم الاعتراف بالقضية الكردية على أساس أنها منفصلة عن القضية السورية، كما حارب “باستهزاء” فكرة الفدرالية التي ينادي بها الكرد في المحافل الدولية، وهي ما وصفه خلال مؤتمر صحفي على هامش اجتماعات “جنيف3” بأنها “وهم” يستدعي العلاج الدوائي.
أما الأمل الذي لوّح به وزير خارجية النظام، وليد المعلم، حول قبول التفاوض مع الكرد من أجل إقامة مناطق حكم ذاتي، نسفته مستشارة رئيس النظام السوري، بثينة شعبان، حين قالت “لا يمكن أن يكون هناك حوار حول تقسيم أو قطع جزء من البلاد أو الفدرالية كما يسمونها”.
كما عاد الجعفري في “جنيف8” ليشدد على أهمية “الفكرة الوطنية” في مواجهة التصورات الكردية، حين ردّ على صحفي كردي بالقول “ليس هناك مناطق كردية في سوريا، هناك مناطق سورية، وهناك مكونات سورية كردية، هناك مناطق سورية يوجد فيها مكون سوري كردي”، معتبرًا أن “أي عمل أحادي الجانب مرفوض”.
في الوقت ذاته، لا يحتاج النظام للتعليق على دعوات روسية عدة تم توجيهها إلى حزب “الاتحاد الديمقراطي” لحضور المحادثات السياسية، سواء في “جنيف” أو “أستانة” أو حتى “سوتشي”، إذ يؤكد الحزب أنه “طرف ثالث” ويواصل التنسيق في بعض الشؤون اللوجستية مع النظام.
اختلاف لا خلاف..
المعارضة تحتوي “المجلس الوطني” وترفض رؤيته
أفضت مطالب الكرد المتكررة بالفدرالية إلى نشوب خلافات مع المعارضة على المستويين السياسي والشخصي، ورغم ذلك حافظ “المجلس الوطني الكردي” على تمثيله بالائتلاف مع اعتكافه العملية التفاوضية لعام كامل.
فؤاد عليكو، ممثل المجلس “الوطني الكردي” وعضو الهيئة السياسية في “الائتلاف الوطني”، قال في لقاء سابق مع عنب بلدي إن الخلاف على شكل الدولة مع المعارضة لا يعطل مشاركة المجلس في أنشطة المعارضة وهيئاتها السياسية، وأضاف “المعارضة متفقة على اللامركزية الإدارية وتوسيع صلاحيات المجالس المحلية، نحن نطالب باللامركزية السياسية، إذا لم تقبل المعارضة بوجهة نظرنا فذلك لا يعني أن ننسحب من المعارضة، طرحنا استراتيجي ومستمر حتى بعد تغيير النظام، هذا لا يعني أننا سندير ظهرنا للمعارضة”.
ويوافق يحيى العريضي، الناطق الرسمي باسم وفد “الهيئة العليا للمفاوضات”، على كلام عليكو، ويشير، في حديث إلى عنب بلدي، إلى أن مشاركة الكرد في المفاوضات السياسية “ليست ضعيفة بل قوية جدًا من خلال تمثيل المجلس الوطني الكردي بمجمل أحزابه وكياناته وبرئيسه إبراهيم برو”.
وبعد أن توقفت المشاركة الكردية في وفود الهيئة العليا للمفاوضات، منذ آذار الماضي، ضمت قائمة الأسماء المقترحة لحضور “جنيف8” رئيس “المجلس الوطني الكردي”، إبراهيم برو، إضافة إلى العضو في المجلس، حواس خليل، لكن هذه الجولة واجهت تعثرًا وتم تعليقها لحين إقناع النظام بالعودة إليها.
وحول الخلافات التي شابت العلاقة بين المجلس والمعارضة السورية، نهاية العام الماضي، إثر تصريحات أسعد الزعبي، رئيس وفد المعارضة آنذاك، “المسيئة” للكرد، اعتبر العريضي أن “أشخاصًا حاولوا الصيد في الماء العكر وتحوير الواقع وحديث أسعد الزعبي حينها، إلا أن الأمر حل باجتماعات طويلة سلطت الضوء على المعنى الحقيقي لكلامه، عاد المجلس إثرها إلى وفد المعارضة”.
أما عن مشاركة حزب “الاتحاد الديمقراطي”، فاعتبر العريضي أنه لا يمكن أن يكون ضمن الإطار السياسي للحل السوري كونه “يعمل ضد مصلحة الكرد ويحاول فرض نفسه بقوة السلاح.
المجلس الوطني “متفائل” بالمفاوضات: لسنا خاسرين
استؤنفت الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف، مع نهاية تشرين الثاني الماضي، وماتزال مستمرة حتى الآن رغم اتهامات المعارضة لوفد النظام السوري بعدم جديته، خاصة إثر انسحاب الأخير من المحادثات بعد يومين من اللقاءات مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، وماتزال الأمور معلقة رغم إعلان المبعوث الأممي استئناف المفاوضات في الخامس من كانون الأول والضغط باتجاه عودة وفد النظام السوري، الذي اتهم المعارضة بفرض شروط مسبقة خلال هذه الجولة من المحادثات.
هذا على الصعيد السوري العام، أما على الصعيد الكردي الخاص، فحافظ “المجلس الوطني الكردي” على تمثيله داخل وفد المعارضة الموحد الذي تمخض عن اجتماع “الرياض2” والذي أجرى تغييرات عدّة على بنية الهيئة العليا للمفاوضات بعد سلسلة من الاستقالات كان أبرزها استقالة منسق الهيئة، رياض حجاب، وممثل المجلس الوطني الكردي، عبد الحكيم بشار.
انتهى اجتماع “الرياض2” باختيار حواس خليل ممثلًا عن “المجلس الوطني الكردي” في وفد المفاوضات عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، من أصل 36 عضوًا، رغم دعوة منظمي المؤتمر لسبعة أعضاء من “المجلس الكردي” لحضور “الرياض2” والمشاركة في صياغة البيان الختامي الذي دعا إلى “اللامركزية الإدارية والاعتراف الدستوري بالأقليات”.
وعلى الرغم من مرور ثماني جولات من مفاوضات جنيف منذ العام 2014، إلا أنها لم تنتج أي تسويات على أرض الواقع ولم تتقدم في سياق الوصول إلى تسوية عامة، رغم أن المواقف الدولية توحي بأن ثمة توجهًا دوليًا جديًا نحو إنهاء الصراع والبدء بإجراءات الانتقال السياسي على أن يتفق النظام والمعارضة على تفاصيل هذه المرحلة ومخرجاتها.
ويؤكد سكرتير “حزب المساواة الكردي” في سوريا (مندرج في المجلس الكردي)، نعمت داوود، لعنب بلدي، أن “جنيف جهد أممي يمهد لإجراء مفاوضات بين المعارضة والنظام، وحتى الآن لا يمكن الحديث عن فشل أو نجاح أي طرف بما فيهم الكرد كجزء من المعارضة”، ويضيف “ما يتم خلال جولات جنيف هو تبادل للأفكار يتم صياغتها في نقاط سُميت بـ (اللاورقة) لأنها لم تعتمد وتشمل مبادئ أساسية قد تشكّل أرضية لمناقشة السلات التي اعتمدها دي ميستورا عبر الانتقال السياسي والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب”.
وعن جهود “المجلس الوطني الكردي” خلال مفاوضات جنيف، يؤكد داوود أن “المجلس يشارك في هذه الجولة ويسعى لإدراج القضية الكردية في هذه الأوراق والمبادئ بحسب رؤية المجلس لحل الأزمة في سوريا وبناء المستقبل”، لافتًا إلى أن مؤتمر “الرياض2” وما أنتجه من مبادئ أساسية في ورقته الأخيرة “يعتبر أمرًا إيجابيًا”، مشددًا على أن جميع الأطراف “لم تحقق ما تصبو إليه حتى الآن”، وأن العملية ماتزال مستمرة وأن على الكرد أن يكونوا مشاركين فيها ومتفاعلين مع الجهود الدولية لحل الأزمة والصراع.
أما بخصوص التمثيل الكردي، فيشير داوود إلى أن المجلس الوطني الكردي يسعى دومًا إلى “تقوية التمثيل الكردي خلال المفاوضات، سواء في جنيف أو غيرها، وخاصة تلك التي تتوافق مع رؤية المجلس السياسية”.
واختتم سكرتير “حزب المساواة” بالتأكيد على أن “الإقرار بهوية سوريا كدولة متعددة القوميات والثقافات يعتبر خطوة مهمة في الاتجاه الذي يخدم قضيتنا وقضية كل المكونات، لأن حل القضية الكردية في سوريا يتطلب تضافر جهود كل أطراف الحركة الكردية ويحتاج إلى مزيد من الحوار والتفاعل مع الجهود الدولية والقرارات الأممية”.
“PYD” يقلل من قيمة “جنيف“
لم تتغير المواقف الدولية حتى الآن فيما يتعلق بمشاركة حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) و”الإدارة الذاتية” في مفاوضات الحل النهائي في سوريا والتي وصلت إلى جولتها الثامنة في جنيف برعاية الأمم المتحدة، على الرغم من سيطرة “الإدارة الذاتية” على مساحات واسعة من شمال شرقي سوريا وبالنظر إلى علاقاتها العسكرية القوية مع دول التحالف ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ويرى الرئيس المشترك لحزب “الاتحاد الديمقراطي”، شاهوز حسن، “أن أي اجتماع لا توجد فيه إدارة الكرد وشعوب شمال سوريا لن ينجح في الوصول إلى أي حلول، وأن الأفضل والضروري أن يتم تمثيل كافة مكونات الشعب السوري في أي اجتماع بخصوص إيجاد حلول سياسية للأزمة السورية”.
ويضيف حسن، “من المعروف أن المسألة السورية تتداخل فيها الكثير من الجهات، وعلى هذا الأساس، هناك قوى وعلى رأسها تركيا تحاول بشتى الوسائل استبعاد الكرد من أي مباحثات، ونحن نعتقد أنه في حال بدأت المباحثات الجدية لإيجاد حل سياسي وهناك إشارات بهذا الخصوص، فسيكون هناك وجود للقوى الرئيسية في شمالي سوريا في أي حل مستقبلي”.
ولا يخفي حسن موقف الحزب من أي مخرجات قد تنتج عن المؤتمرات الخاصة بسوريا سواء في “جنيف” أو “أستانة” أو في مؤتمر “سوتشي” الذي تحضر له روسيا، قائلًا “أي مخرجات في أي محفل لا يكون لنا وجود فيه فنحن غير معنيين بها، أما في حال كنا موجودين فسنقوم بدراسة الموضوع من كافة النواحي، ولكن في الحقيقة حتى الآن كافة الاجتماعات التي عقدت لم تخرج بأي حلول للأزمة، لذا نحن نقول إن لدينا مشروعًا للحل”.
ويؤكد الرئيس المشترك لحزب “الاتحاد الديمقراطي”، أن للحزب ولـ “الإدارة الذاتية” اتصالات سياسية في هذا الخصوص، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة ستحمل معها تقدمًا في هذا السياق، حسب تعبيره.
مساعٍ كردية للتفاهم مع “معارضة دمشق”
وفي سياق متصل، يشدد أحمد بركات، عضو المكتب السياسي في “الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي” في سوريا، لعنب بلدي، على أهمية مفاوضات جنيف، مضيفًا “أهمية المفاوضات تكمن في كونها تناقش إيجاد حل سياسي للمشكلة السورية، ولكن يبدو أن هذه المؤتمرات لم تتمكن حتى اللحظة من الوصول إلى أي نتائج، وذلك يعود إلى أن كلًا من المعارضة والنظام مصران على موقفهم، وهذا باعتقادنا لن يُسهم في إيجاد حل سياسي، داعيًا النظام والمعارضة إلى تقديم تنازلات عن مواقفها حتى يتم التوصل لاتفاق ينهي الحرب في سوريا”.
وبالنسبة للتمثيل الكردي في مفاوضات جنيف تحديدًا، يشير بركات إلى أنه من غير الممكن القول بوجود تمثيل كردي مستقل في المفاوضات، لافتًا إلى أن “وجود عضو كردي واحد ضمن صفوف الائتلاف لا يعني تمثيلًا للكرد، يضاف إلى ذلك عدم وجود أي شيء يخص المسألة الكردية في وثائق جنيف، لذلك على الطرف الذي يقول بأنه يمثل الكرد في جنيف الانسحاب من هذه المفاوضات”.
وعن موقف “الحزب الديمقراطي التقدمي” (انسحب من المجلس الوطني الكردي قبل عامين) واتصالاته فيما يتعلق بالتمثيل الكردي ذي الثقل، يقول بركات إنه “لا بد من وجود وفد كردي مستقل في جنيف أو غيرها من الاجتماعات، وقد عملنا كحزب في هذا الاتجاه، ولكن مع الأسف فإن شركاءنا في المجلس الكردي وحركة المجتمع الديمقراطي والتحالف الكردي لم يستجيبوا حتى الآن، ولكننا مستمرون في هذه الجهود لأن عدم وجود وفد كردي مستقل في المحافل الدولية سيبقي على الوضع الكردي على ما هو عليه الآن”.
ولا تقتصر جهود “الحزب الديمقراطي”، وفقًا لبركات، على الدفع باتجاه التمثيل المستقل للكرد في مفاوضات جنيف، إنما تتصل بضرورة حضور ممثلين حقيقيين لجميع المكونات السورية في الاجتماعات التي تعقد من أجل إيجاد حل سياسي، لافتًا إلى أن “المعارضة لا يمكنها تمثيل جميع المكونات وكذلك لا يمكن للممثل الكردي الوحيد في جنيف أن يمثل جميع الكرد”.
وبحسب القيادي، فإن موقفهم “منفتح على جميع الأطراف السورية من جهة، والكردية من جهة أخرى، للحوار من أجل الحقوق الكردية في البلاد، مشيرًا إلى أن الحزب أجرى اتصالات مع المعارضة الداخلية مؤخرًا في دمشق، نافيًا في الوقت ذاته ما أثير حول نيّة الحزب تشكيل كتلة داخلية من المعارضة ضد الكتلة الخارجية لها”.
وكان الحزب “الديمقراطي التقدمي”، الذي يرأسه عبد الحميد درويش، أبرم مؤخرًا اتفاقًا مع “الجبهة الديمقراطية” المقربة من النظام السوري، يدعو للحل السلمي في سوريا وإيجاد حل عادل للقضية الكردية، وهو ما جرّ اتهامات على الحزب بمحاولة التقرب من النظام والتنكر لدماء السوريين.
ورقة ضغط واستثمار مصلحي
وجهة النظر الدولية تبعد الكرد عن المفاوضات
تجسد مفاوضات الحل السياسي كيفية الاستثمار الدولي والإقليمي للكرد في سوريا، فبينما بدت روسيا الراعي السياسي لقسم من الكرد، وأمريكا الداعم العسكري، لم تتحرك الدولتان نحو إشراك أي من الأطراف الكردية بشكل جدي في مفاوضات “جنيف” أو “أستانة” أو حتى “سوتشي”.
الكرد مجال المناورات الروسية– التركية
رعت روسيا منذ بدء الحرب في سوريا محاولات التقارب السياسي مع الكرد، إلا أن هذا التقارب لم يأخذ يومًا شكل التحالف المثمر بالنسبة للكرد، بدليل أن موسكو لم تدعم مشاركتهم وتمثيلهم في المفاوضات بشكل حقيقي كما لم تدعم مطالبهم، بل استثمرت الدعوات المتكررة لقادة حزب “الاتحاد الديمقراطي” إلى التفاوض كوسيلة للضغط على أنقرة.
ومع بدء لقاءات “أستانة” نهاية عام 2016، التي اقتصرت على الوفود العسكرية تحدثت روسيا التي ترعى المؤتمر إلى جانب تركيا وإيران عن ضرورة مشاركة ممثلين عن “PYD” في الاجتماعات، إلا أن ضغط أنقرة ورفضها المتكرر لأي تمثيل كردي خارج مظلة الائتلاف حال دون تلك المشاركة.
ووفق ذلك، يمكن القول إن العلاقات الروسية- الكردية جاءت في سياق مناورات سياسية وتسيير بعض المصالح على الأرض، لكنها لم تكن لدعم الرؤى والتطلعات الكردية.
فعلى الرغم من تساهل روسيا مع فكرة الفدرالية كشكل للحكم في سوريا المستقبلية، إلا أنها لا يمكن أن تقبل بها في ظل استمرار معارضة تركيا لقيام كيان كردي جديد على حدودها، يقوده تنظيم تصنفه أنقرة على أنه “إرهابي”.
ومنذ بدء التعاون السياسي بين موسكو وأنقرة تراجع الخطاب الروسي تجاه بعض الشخصيات والأطراف الكردية الحليفة، وتحول خلال العام الحالي إلى المطالبة بمشاركة الكرد في جنيف ضمن وفد موحد، وهو ما لا يمكن أن يتم بالنظر إلى الخلافات الجوهرية التي تصل حد العداء بين المجلس الوطني الكردي وحزب “الاتحاد الديمقراطي”.
ولعل التجلي الأوضح لتخلي روسيا عن الكرد مقابل التفاهم مع تركيا، هو تراجع موسكو عن دعوة “PYD” وأحزاب كردية أخرى لحضور مؤتمر “سوتشي” المزمع عقده في شباط 2018.
أمريكا.. دعم عسكري ومعنوي “فقط“
تستمر الولايات المتحدة الأمريكية بدعم المقاتلين الكرد التابعين لحزب “الاتحاد الديمقراطي” على الأرض، ويتراوح هذا الدعم بين تقديم الأسلحة والاستشارات العسكرية والتدريب، أما على المستوى السياسي فلا تقدم واشنطن للكرد أي امتيازات فيما يخص تحويل مطالبهم إلى واقع.
ونظرًا لأن الولايات المتحدة لم تكن طرفًا راعيًا في أي من محادثات السلام في سوريا فإنها لم تضغط بشأن مشاركة الكرد في اللقاءات التفاوضية بل اكتفت بتوجيه “نصائح” إلى دي ميستورا حول أهمية إشراكهم.
ويرى محللون سياسيون أن دعم الولايات المتحدة الأمريكية للكرد لا ينطوي على محاولة تقويتهم ومنحهم حقوقًا سياسية بقدر ما يدل على رغبة واشنطن باستثمارهم بهدف إدخالهم على خط المفاوضات حول مستقبل سوريا.
المشاركة الكردية في “ماراثون جنيف”
“جنيف1”
بدأت أولى جولات مفاوضات جنيف في 30 حزيران 2012، وتوافقت مجموعة عمل مؤلفة من الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وتركيا وجامعة الدول العربية على مجموعة من المبادئ للمرحلة الانتقالية.
لكن هذه المبادئ، التي لم تنص على مصير الأسد صراحة، فسرتها الأطراف كل على طريقته، فبينما اعتبرت واشنطن أنها تمهد لمرحلة “ما بعد الأسد”، اعتبرت موسكو أن تقرير مصير الأسد يعود للسوريين.
ولم تكن الأحزاب الكردية في ذلك الوقت ممثلة بطريقة واضحة، فكانت شخصيات كردية في صف المعارضة السورية، وأخرى إلى جانب النظام.
“جنيف2″
استغرق التحضير للجولة الثانية من المفاوضات نحو عامين، وأجريت في 10 شباط 2015، بإشراف المبعوث الدولي السابق إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي.
وعلى مدار خمسة أيام لم تفلح المفاوضات، التي جمعت الوفدين مرتين بمفاوضات مباشرة، بالوصول إلى توافق، فقد أصر وفد النظام على تحويل مسارها إلى ”محاربة الإرهاب“، بينما تمسكت المعارضة ببيان ”جنيف1“ والوصول إلى مرحلة انتقالية بهيئة حكم كاملة الصلاحيات.
في هذه الجولة شارك وفدان للكرد السوريين، واحد في صف المعارضة والثاني في صف النظام.
لكن قبل “جنيف2” انضم المجلس الوطني الكردي إلى الائتلاف المعارض، الذي شكل وفد المفاوضات في هذه الجولة، وبعد انعقاد مؤتمر الرياض في كانون الأول 2015 أصبح المجلس ممثلًا رسميًا في الهيئة العليا للتفاوض.
“جنيف3“
عامان مرا بعد “جنيف2” دون لقاءات سياسية للتوصل إلى حل في سوريا إلى أن انطلقت الجولة الثالثة من المفاوضات، هذه المرة بإشراف المبعوث الأممي الجديد، ستيفان دي ميستورا، في شباط 2016.
وفشلت هذه الجولة أيضًا بالوصول إلى خطوات عملية، بعدما تمسكت المعارضة بتنفيذ البندين 12 و13 من القرار الأممي 2245، الصادر في كانون الأول 2015، وينص على السماح للوكالات الإنسانية بالوصول إلى جميع أنحاء سوريا، والإفراج عن المحتجزين، وخاصة النساء والأطفال.
كما نص القرار الذي أصرت عليه المعارضة، على البدء بالانتقال إلى هيئة حكم جديدة ذات مصداقية، واعتماد مسودة دستور جديد، إلى جانب إجراء انتخابات بإشراف أممي خلال 18 شهرًا.
وأصدرت أربعة أحزاب كردية ناشطة في شمال شرقي سوريا بيانًا، قالت فيه إن “الشعب الكردي” غير معني بنتائج المحادثات، مؤكدة أن “عدم حضور الإدارة الذاتية ومجلس سوريا الديمقراطية سيؤدي إلى فشل المحادثات”.
النظام السوري رد على مطالب الكرد بالمشاركة في المحادثات بالسخرية، ودعا رئيس وفده إلى جنيف، بشار الجعفري، الأحزاب الكردية إلى التخلص من أوهامها، باستخدام “البانادول” ما أثار سخطًا كرديًا.
وحذر النظام “أي طرف تسول له نفسه النيل من وحدة أرض سوريا”، مؤكدًا أن “طرح موضوع الدولة الاتحادية أو الفدرالية سيشكل مساسًا بوحدة الأراضي السورية (…) ولا قيمة قانونية له”.
وكانت الإدارة الذاتية، التي يشكل حزب “الاتحاد الديمقراطي” أبرز أحزابها، في ذلك الوقت تسيطر على الساحة الكردية، وبدأت تتبلور مناطق الفدرالية التابعة لها شمال شرقي سوريا، مع إزاحة بعض الأحزاب الأخرى، كالمجلس الوطني الكردي.
“جنيف4″
في العام 2017 زادت وتيرة المؤتمرات حول سوريا، بين أستانة الذي يبحث التطورات العسكرية، وجنيف الذي يناقش الانتقال السياسي.
في شباط عقدت الجولة الرابعة من محادثات جنيف، بعد جولتين من المحادثات في العاصمة الكازخية أستانة، توصلت الدول المؤثرة فيها إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، لم ينفذ بحذافيره على الأرض.
وأسفرت هذه الجولة عن اعتماد سلال دي ميستورا الأربع:
- السلة الأولى: الوصول إلى حكم غير طائفي يضم الجميع.
- السلة الثانية: اعتماد مسودة دستور جديد، خلال ستة أشهر.
- السلة الثالثة: إجراء انتخابات حرة ونزيهة، خلال 18 شهرًا بإشراف أممي.
- السلة الرابعة: ضغط النظام لإضافتها وتتعلق بوضع استراتيجية مكافحة الإرهاب.
وكان المجلس الوطني الكردي ممثلًا في المفاوضات، واعتبر أن ذلك يسهم بتسليط الضوء على القضية الكردية، مطالبًا بصياغة دستور يراعي التعددية القومية والدينية في سوريا.
“جنيف5″
في هذه الجولة، التي أجريت في بداية نيسان 2017، لم يحقق الطرفان أي تقدم يذكر، واكتفى الفريقان باجتماعات ثنائية مع دي ميستورا، ناقشا فيها السلال الأربع، وسط تركيز من المعارضة على الانتقال السياسي، وإصرار النظام على مكافحة الإرهاب.
وفي نتيجة بارزة في الاجتماع الخامس، أعلن “المجلس الوطني الكردي” تعليق مشاركته في عضوية “الهيئة العليا”، مبررًا ذلك بـ “عدم إدراج القضية الكردية في جدول الأعمال”.
وأوضح أن “تجاهل القضية الكردية يثير تساؤلات عن مصداقية الهيئة العليا للمفاوضات، وضمان الحقوق القومية للكرد دستوريًا”.
“جنيف6″
أجريت هذه الجولة منتصف أيار 2017، وشهدت نقاشًا لآليات دعم العملية التشاورية، بين المبعوث الأممي مدعومًا بمجموعة من الخبراء وفريقين من القانونيين والمستشارين في المعارضة والنظام.
وغاص الطرفان بالتفاصيل، بموجب وثيقة سلمها دي ميستورا للجانبين، حددت متطلبات “عملية انتقال سياسي متفاوض عليها بهدف حل النزاع”.
ولم تسجل هذه الجولة حضورًا كرديًا رسميًا، بعد تعليق المجلس الوطني الكردي، ووسط اختلافات كردية- كردية، بعد فرض سلطة الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا.
“جنيف7″
لم تحدث هذه الجولة، منتصف أيلول 2017، أي تقدم أو تقارب في وجهات النظر، بل وجه الطرفان اتهامات للمبعوث الأممي، بالانحياز للجانب الآخر، بعد سلسلة من اللقاءات بينه وبين الوفود التي حضرها أيضًا وفدان لمنصة القاهرة ومنصة موسكو.
واكتفى دي ميستورا في هذه الجولة، بالتعريج على ضرورة عدم تجاهل الكرد السوريين، والسماح لممثليهم بالمشاركة في وضع الدستور.
“جنيف8″
بدأت أولى جولات جنيف، نهاية تشرين الثاني 2017، وقال دي ميستورا إنها ستستمر حتى منتصف كانون الأول.
جاءت هذه الجولات بعد اتفاق المعارضة على وفد موحد في مؤتمر “الرياض2″، قيل إن ذلك تم بضغط دولي، بعدما انضمت إلى هيئة “التفاوض العليا” شخصيات من منصة القاهرة وموسكو، ومن المجلس الوطني الكردي ممثلًا بحواس خليل وإبراهيم برو.
في هذا الوقت كانت “الإدارة الذاتية” الكردية توسع سيطرتها ونفوذها، وتمكنت من السيطرة على الرقة وشرق الفرات بدعم من التحالف الدولي وأمريكا.
إلا أن هذا لم يرض النظام السوري، الذي استهزأ مرة أخرى على لسان الجعفري، في مؤتمر صحفي، فردّ على سؤال للصحفيين عن الحكم الذاتي في “المناطق الكردية”، بتقديم مصطلح سوري على الكردي، وطلب من الصحفي القدوم إلى منتصف سوريا، إلى حمص مثلًا، في إشارة إلى بعد الكرد عن المجتمع السوري.
ورغم موقف المعارضة التي اتسم بقليل من المرونة تجاه الإدارة اللامركزية في سوريا، يمكن القول إن المعارضة السورية تماهت مع حليفها التركي الرافض لأي تمثيل لقوات سوريا الديمقراطية، الجناح العسكري للإدارة الذاتية، في المفاوضات، العسكرية أو السياسية، أو حتى في “سوتشي” للحوار الوطني.
تم إعداد هذا الملف من قبل عنب بلدي بالتعاون مع راديو آرتا إف إم