الجمل بليرة وما في ليرة
“بورصة غذاء” بين دمشق وغوطتها الشرقية
عنب بلدي – الغوطة الشرقية
تحكم “لعبة اقتصادية” غوطة دمشق الشرقية المحاصرة، ومع بدء دخول المواد الغذائية والبضائع إليها من معبر الوافدين بطريقة غير مستقرة، تكشفت معادلات هذه اللعبة وفوائد التجار والنظام السوري، على حساب المواطنين الذين فقدوا القيمة الشرائية.
لا تقتصر العائدات المادية على التجار فقط، بل حظي النظام بمبالغ كبيرة، كان آخرها 20 مليون دولار مقابل الأتاوات التي فرضها على شحن البضائع بموجب صفقة مع التاجر محيي الدين المنفوش.
ومع بدء إدخال القوافل الغذائية إلى الغوطة، ماتزال أسعار المواد الغذائية “خيالية” بالنسبة لدخل الفرد الذي زاد من انخفاضه ارتفاع معدل البطالة وغياب المهن والحرف التي كانت المورد الأساسي للسكان قبل عام 2011، لينطبق الحال المعيشي مع مقولة “الجمل بليرة وما في ليرة”.
“معادلة عكسية”.. التجار يشترون
بعد دخول قافلة التاجر محيي الدين المنفوش، أواخر تشرين الثاني الماضي، تراجعت أسعار السكر والسمن والزيت النباتي، بعدما كان سعر كيلو السكر الواحد حوالي 15500 ليرة سورية ليصبح بحدود ثلاثة آلاف ليرة.
وتضمنت الصفقة التي أبرمت مع النظام السوري إدخال خمسة آلاف طن من المواد بمعدل 160 طنًا يوميًا.
وبحسب مدير العلاقات العامة في إدارة التجارة والاقتصاد في الغوطة، أبو محمود الشامي، فإن ما وصل إلى المستهلك من المواد الداخلة من القوافل جزء بسيط، موضحًا أن الذين يقبلون على الشراء حاليًا هم تجار نصف الجملة والمفرق لتعويض النقص في متاجرهم.
وقال الشامي، في حديث إلى عنب بلدي، إن هذه الظروف سببها ضعف القوة الشرائية لدى المستهلك، وتدهور الوضع المعيشي لدى أهالي الغوطة، عدا عن ارتفاع نسبة البطالة إلى حوالي 80% خلال خمسة أشهر مضت، وتصنيف 90%من الأهالي تحت خط الفقر.
آلية محددة يقوم عليها إدخال المواد الغذائية إلى مدن الغوطة المحاصرة، واتضحت ملامحها في الدفعة الأخيرة، والتي عادت بالفائدة بشكل أساسي على تجار المنطقة، فالأهالي يفتقدون للقدرة على الشراء، الأمر الذي دفع التجار إلى شراء كافة البضائع بهدف طرحها في السوق مجددًا في الأيام المقبلة، وبأسعار مضاعفة عما كانت عليه في الأيام الأولى لدخولها.
ولا يشكل دخول البضائع بهذه الأسعار كسرًا للحصار، بحسب الشامي، الذي عزا الأمر إلى وجود الأتاوات المرتفعة جدًا على المواد، وما يتبعه من “بورصة” ترتبط بكل نوع غذائي.
وسعت العديد من المؤسسات الرائدة في الغوطة إلى تحديد الأسعار، لكن دون جدوى بسبب احتكار التجار للبضائع وتأثر إدخالها بشروط النظام، إضافةً إلى اقتصار الحركة التجارية على معبر واحد هو الوافدين، ورفض النظام لفتح أي معابر أخرى في جسرين وعربين بعد مفاوضات من قبل المعارضة السورية.
مصادر “محدودة” للدخل
بالتزامن مع تردي الظروف التي يمر فيها المدنيون، طرحت عدة تساؤلات عن مصادر الدخل التي يعتمدون عليها لتلبية مستلزماتهم اليومية.
عضو المكتب الاقتصادي في مدينة دوما، عبد الرحمن صالحة، اعتبر أن مصادر دخل الفرد في الغوطة الشرقية تنحصر في منابع قليلة، موضحًا لعنب بلدي أن المصدر الأساسي لمعظم الشباب هو المنح المالية، بالإضافة إلى الموظفين في المؤسسات، وبعض الأعمال اليومية كبسطات البنزين وبيع الخضار والخبز والدخان.
أما العائلات، فكثير منها فقدت الأب (رب الأسرة)، وتعتبر الإغاثة التي يتلقونها من المنظمات المصدر الأساسي لمصروفهم ودخلهم، عدا عن الكفالات المقدمة لهم من منظمات دعم الأيتام.
وبحسب صالحة، يعتمد قسم آخر من المدنيين على بعض الأعمال في الحرف البسيطة (نجارة، حدادة، بيع محروقات)، إلى جانب الأعمال المتعلقة بالمجال الطبي والتعليمي.
بينما يعتمد آخرون على المساعدات النقدية المقدمة لهم من الخارج، وتصطدم هذه العملية بطريقة التحويل عن طريق شركات الصرافة التي تحسم نسبة 17%.
وتشكّل الشرائح المذكورة أقل من 30% من نسبة سكان الغوطة الشرقية، أما 70% المتبقية فإنها تعاني أوضاعًا “مأساوية” من الفقر، بحسب عضو المكتب الاقتصادي.
وتحتاج العائلة المؤلفة من خمسة أشخاص ألف ليرة سورية لشراء عشرة أرغفة من الخبز لا يزيد وزنها على 900 غرام، والتي يتم الحصول عليها من الأفران الخاصة بالتاجر المنفوش، بعد توزيعه لكل مدن الغوطة حسب نسبة الكثافة السكانية للمنطقة.
ورغم إدراج المنطقة في اتفاقية “تخفيف التوتر” بضمانة روسية-تركية- إيرانية، تضمنت فك الحصار عن الغوطة وإدخال المواد الأساسية، دون أي إعاقات أو ضرائب أو أتاوات، تتعرض المنطقة لحصار يزداد إحكامه، وإلى قصف يومي بعشرات الغارات الجوية والقذائف المدفعية.
الفصائل “على الخط”
وفي سياق الحديث عن الواقع الاقتصادي للغوطة الشرقية، لا يمكن تحييد تدخل الفصائل العسكرية العاملة في المنطقة، إذ تلعب الفصائل دورًا كبيرًا في رسم وتحديد الآلية التجارية، سواء ضمن الاتفاقيات أو الصفقات المبرمة بين النظام والتجار، أو من خلال التجار المرتبطين بالفصائل الذين يسيرون أعمالهم بحمايتهم.
إسماعيل ياسين عضو مجلس محافظة ريف دمشق تحدث عن القطاعين (قطاع دوما، القطاع الأوسط) في الغوطة وطريقة التعامل مع المدنيين من قبل الفصائل، ووصفها بـ “المتفاوتة”.
وقال لعنب بلدي إن “جيش الاسلام” يتدخل في سير المؤسسات الإنسانية والإغاثية العاملة في قطاعاته بشكل كامل، بينما يتدخل “فيلق الرحمن” أحيانًا.
وبإغلاق الأنفاق بعد السيطرة على حيي برزة والقابون انقطعت المعابر عن القطاع الأوسط وتوقفت العملية التجارية بشكل تام، أما في مدينة دوما مايزال معبر الوافدين مفتوحًا أمام التجارة.
وربما يجسد معرض التمور الذي أقيم في مناطق سيطرة “جيش الإسلام”، الأسبوع الماضي، “الشرخ” الاقتصادي بين مدن وبلدات الغوطة الشرقية، إذ تعتبر مدن القطاع الأوسط أكثر “مأساة” من قطاع دوما، لغياب التواصل التجاري مع مناطق النظام وحصرها بالمرور بمناطق سيطرة “جيش الإسلام”.
دورة حياة السلعة
التاجر معتز أبو العز تحدث عن تفاصيل إدخال البضائع إلى الغوطة، موضحًا لعنب بلدي أن التاجر في الغوطة يشتري مواده عن طريق عملائه في دمشق، ليتم نقلها فيما بعد من دمشق إلى مركز شحن التاجر المنفوش في معربا بريف دمشق.
وفي المرحلة التالية تدخل شركة المنفوش هذه المواد إلى الغوطة، ويتم الحساب المالي على وزن البضائع ونوعها، فمثلًا الألبسة 3300 ليرة على الكيلو الواحد، الأحذية 3300، البسكويت 3500، الموالح والمكسرات 3700، المنظفات وأدواتها 3800.
وأشار “أبو العز” إلى أن أجرة الشحن تدفع عند إدخال المواد إلى الغوطة بعد اجتياز معبر الوافدين، لافتًا إلى أن نسبة ارتفاع أسعار الموالح والمكسرات عن العاصمة دمشق أربعة أضعاف، والألبسة ثلاثة أضعاف، أما المواد الغذائية فتزيد ثمانية أضعاف للطلب الكبير عليها قياسًا بالبضائع الأخرى.
وأعطى عضو المكتب الاقتصادي آلية أوضح تتمثل بخطوة أولى هي استلام المندوبين للبضائع من مستودعات المنفوش، وبعدها يبيعونها لتجار الجملة، ومن ثم يبيع تاجر الجملة لتجار نصف الجملة والبقاليات والبسطات، موضحًا أن كل مرحلة من هذه المراحل من البيع يضاف عليها نسبة من الأرباح، إضافة لسعرها المرتفع أساسًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :