أورفة – برهان عثمان
بدراجته الصغيرة، يتنقل الطفل محمد ذو السبعة أعوام، جيئة وذهابًا بالقرب من منزل جده في حارة “البيجمات” داخل حي القصور في دير الزور، الذي يزوره لأول مرة في حياته، بعد أن اعتاد الجلوس في قبو منزل عائلته، داخل حي الجورة خلال السنوات الماضية.
تشتكي شريحة من أهالي دير الزور، استطلعت عنب بلدي آراءهم، من منازلهم “غير الآمنة”، وعمليات “التشبيح” والسرقة المنسوبة لعناصر قوات الأسد وميليشيا “الدفاع الوطني”، منذ سيطرة النظام على كامل المدينة وآخرها حي الحميدية، مطلع تشرين الثاني الماضي.
الأهالي يخشون الأيام المقبلة
تعمل اليوم بعض الآليات في دير الزور، على إزالة الأنقاض من شوارع حيي الجورة والقصور، بينما شرع بعض الأهالي بترميم منازلهم، في محاولة لإصلاحها بألواح التوتياء والأحجار، كما يقول أبو أحمد (53 عامًا)، أحد سكان المدينة لعنب بلدي.
ويشير الرجل إلى “نقص السيولة لدى الكثير من الأهالي”، لافتًا إلى أن “الهاجس الأمني” مايزال موجودًا داخلهم إلى جانب الخوف على منازلهم وأموالهم من “الدفاع الوطني” وغيرهم، والذين اتهموا منذ السيطرة على المدينة، بعمليات “تعفيش” طالت المنازل الفارغة والمأهولة.
بعض الأهالي تفاجؤوا بوجود غرباء يعيشون في منازلهم رافضين الخروج، وفق أبو أحمد، مستغلين نفوذهم الأمني، مهددين كل من يطالبهم بترك المنازل بالسلاح والاعتقال، على حد وصفه.
رواية أكدها آخرون تواصلت معهم عنب بلدي، معبرين عن تخوفهم من “شبيحة لا يخافون الله”، مؤكدين أنهم “يتهمون كل من يعارض تصرفاتهم أو يقف في وجههم، بعدائه للنظام وتواصله مع الإرهابيين والجماعات المسلحة، التي قد تذهب بصاحبها إلى القبر”، وفق السبعينية أم أسعد، التي تعيش في حي القصور.
استيلاء على المنازل
تشير أم أسعد إلى أن الاستيلاء على المنازل في المدينة، “لا يقتصر على الفارغ منها، بل يشمل بعض المنازل المسكونة”، وتقول لعنب بلدي “أخرجوني من منزل ابني رغم امتلاكي لأوراق تثبت ملكيته له”.
تعيش السيدة اليوم بالمشاركة مع إحدى العوائل في حي الجورة، بعد أن منعها عناصر “الدفاع الوطني” من زيارة المنزل وتفقد أغراضه، وتشير إلى أنها تكتم ما جرى خوفًا على أبنائها في دمشق، الذين لا يعلمون حتى اليوم، أن منزلهم الذين تعبوا في بنائه أصبح بيد غيرهم، وفق تعبيرها.
تحسن جزئي
يقول والد الطفل محمد (36 عامًا)، إنه لم يكن يظن أن طفله سيعيش ليجلبه إلى منزل جده، “كنت أراقبه بخوف وأفكر في قرارة نفسي أنه ربما يموت في أي لحظة، في ظل القصف المكثف سابقًا، مشيرًا إلى أن وضع المدينة تحسن بشكل جزئي فقط.
أزيلت أغلب الحواجز والسواتر الترابية، التي كانت تقطع الطرقات، وشهدت بعض الأسواق انتعاشًا، وفق أبو أنس (49 عامًا)، الذي يملك بقالية في حي الجورة، ويقول لعنب بلدي إن أسعار بعض المواد انخفضت، “كانت رفوف محلي الصغير مرتعًا للذباب، ورغم قلة البضائع إلا أن الوضع أفضل من السابق”.
يُخرج أبو أنس دفترًا قديمًا من أحد أدراج بقاليته، مقلبًا صفحاته التي بدا أثر الرطوبة واضحًا عليها، مشيرًا “كنت أكتب ديون الزبائن وكل ما يتعلق بمصروفات المحل، إلا أن الدفتر تحول إلى مساحة بيضاء في السابق، أفرغ فيها مذكراتي”.
ماتزال الطريق إلى المدينة غير آمنة، من وجهة نظر أبو أنس، “فجميع المركبات التي تعبرها تعاني من تصرفات المجندين على الحواجز”.
الكثير من الحكايات المكتومة تختبئ بين أحياء دير الزور وشوارعها، دون أن يعلم بها أحد، ويتساءل الأهالي، هل ستخرج إلى النور يومًا أم ستبقى حبيسة ذكرياتهم، دون آذان صاغية تسمعها؟