هل الإنسان مركز الكون؟
عنب بلدي ــ العدد 132 ـ الأحد 31/8/2014
اعتقد أسلافنا لقرون طويلة أن الإنسان هو مركز الكون، وأنه الذي يمنح الوجود غايته ومعناه، وردد الفلاسفة أن الكون بلا إنسان يشهد على عظمته أشبه بسيرك بلا جمهور.
كثير من الناس يعتقدون –إلى اليوم- أن الإنسان هو خير المخلوقات وأن الكون بأسره مصنوع للإنسان ومسخر له، إذ تسرب للوعي الجمعي تصوّرٌ قدمته الثقافة على أنه كامل ومطلق للكون والإنسان، ودعمته تفسيرات النصوص الدينية مما أحاطه بهالة من القداسة.
لكن هل يعقل أن نكون خير المخلوقات وأفضلهم ونحن نؤذي أنفسنا بلا توقف ونشكل خطرًا على الكوكب؟
العلم اليوم يأخذ بأيدينا إلى أعتاب كون واسع جدًا، ورهيب جدًا تتقزّم أمامه مزاعمنا بمركزية الإنسان في الكون. في حين أن التصور الديني يقول بأن الإنسان هو خير المخلوقات وأن الفردوس واليوم الآخر حصريٌ للإنسان فقط دونًا عن كل المخلوقات، وأن كل الكائنات تستحيل ترابًا بعد أن تقتص من بعضها في اليوم الآخر، وأن كل ما في هذا الكون مسخر لبني آدم، لكن هذا التصور مقتبسٌ من جهد بشري كان وليد عصره وأدواته المعرفية.
ليس عيبًا أن يتصور الأجداد الكون بهذه الطريقة، ولكن من المخجل الاحتفاظ بهذا التصور إلى عصرنا هذا الذي وصل فيه الإنسان إلى الفضاء وأصبح بإمكانه السفر عبر المجرات، ورأى كيف أن كوكبنا يبدو أشبه بنقطة زرقاء باهتة في خلفية النجوم المتناثرة في ظلمة الكون العميقة.
التصور الذي يأخذنا إليه العلم بأننا لسنا وحيدين في الكون قاسٍ وبارد، لذلك ترانا ميالين إلى إغلاق أعيننا عنه، إذ من الصعب أن نتغلب على خوفنا من كوننا صغاراً جدًا أمام عالم مهيب لذلك نلجأ إلى التصور الديني كعزاء، ونرفض التصور العلمي الذي بني على يقينيات وأبحاث علمية على حساب التصور الديني الذي لا يوجد أي نص أو دليل قاطع يثبته.
من قال إن الكون يجب أن يلبي رغباتنا ومن قال إن الطبيعة مصممة خصيصًا لتكون مريحة لنا؟
“ليست الحقيقة مؤلمة .. لكن الانفلات من الجهل مؤلم كالولادة” أمين معلوف
العلم اكتشف أن هناك أكوانًا متعددة وليس فقط كون واحد، كما أخبرنا أن هناك مجراتٍ غير مجرتنا.
حجمنا في الكون متواضع جدًا، والشفرة الوراثية التي تحدد صفاتنا جعلت منا أولاد عمومة لكل الحيوانات والنباتات في كوكبنا.
لسنا وحيدين في الكون، نحن جزء منه فقط، وقد نكون مجرد عابرين له.
من شأن هذا التأمل في حقيقة الكون الهائل الحجم وحقيقة حجمنا ووجودنا فيه أن يقودنا إلى التحرر، وأن يحملنا على أن نسير هونًا على هذه الأرض، ولعلّه يكسر حدّة زهوّنا بأنفسنا، ويخفف قليلًا من الحروب والصراعات التي برعنا لعقود في افتعال أسبابٍ لخلقها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :