هواجس حول الدور الخليجي بمؤتمر “الرياض2”

  • 2017/12/10
  • 12:01 ص
حذام زهور عدي

حذام زهور عدي

حذام زهور عدي

لا أعتقد أن أحدًا، سواء أكان مطلعًا أم غير مطلع، بإمكانه نفي التوافق الدولي الكامن وراء مؤتمر “الرياض2″، وأن مندوبي أكثر من 30 دولة حضروا المؤتمر لنقل أجوائه لدولهم ورصد مواقف الحاضرين فيه، ولا أظن أن كثيرًا مما قيل حول الدور الروسي في حيثيات انعقاده يمكن تجاهله، لكن لنحاول وضع المكبر للبحث عن دور الدول العربية وبخاصة الخليجية، وأماكن تأثيره، مع افتراض واقعي أن للدبلوماسية الخليجية دورًا يختلف في أهدافه ومجريات أموره عن الآخرين من روس وغيرهم، ذلك وبكل بساطة لأن المصالح مختلفة إلى هذا الحد أو ذاك.

لقد أراد الروس ومن اختبأ خلفهم أن يعقدوا أولًا مؤتمرًا بسوتشي “لشعوب سوريا“، وعندما وجدوا أن صيغتهم صادمة لدرجة الإجماع السوري على رفضها، حاولوا اللعب بتبديل العنوان إلى “الحوار الوطني السوري”، لكن رياحهم لم تستطع تسيير سفينة السوريين وفق التوجه الذي يرغبون به، وكانت هيئة المفاوضات المنتخبة من مؤتمر “الرياض1” قد ارتفع صوتها مطالبة بمؤتمر توسعة لها لتقيم الحجة على المطالب الدولية بتوحيد المعارضة السورية ضمن وفد مفاوض واحد، وبالطبع فإن المملكة هي المؤهلة لعقد مثل هذا المؤتمر، ليس فقط من خلال التفويض الدولي لها في مقررات مؤتمر فيينا، وإنما أيضًا لأنها الحضن العربي الذي يؤثر معنويًا على الثوار السوريين ويعطيهم نوعًا من الأمان الذي هم بحاجة إليه.

كان من البدهي أن يحاول الروس، المحتلون لسوريا وأصحاب القرار في نظامها الحاكم، أن يتركوا بصمات أصابعهم فيه، ليكون مقدمة للمؤتمر الذي مايزالون يعقدون الآمال عليه في تحقيق حلهم الذي يحفظ مصالحهم باحتلال سوريا، إلى أجل غير مسمى، ويسمح بمساومة تعدل الخارطة السياسية العالمية باتجاه موقع جديد لهم يحتل مركز الاتحاد السوفييتي سابقًا، ويعيد لروسيا القيصرية أمجادها التاريخية.

في أثناء ذلك عمدوا من جانب إلى تمهيد الساحة من خلال المحادثات “الروسية- التركية- الإيرانية” بسبب التأثير الميداني لتلك الدول، وتابعوا قصف الفصائل السورية التي لم تستسلم بعد، وفق مؤتمرات أستانة، لإنهاء دورها العسكري والسياسي، من جانب آخر. وأملوا أن مؤتمر “الرياض2” سيُنتج وفدًا مفاوضًا يقبل حلهم وينفذ رغبتهم في إنهاء “المسألة السورية” بالسرعة المطلوبة، وربما عرضوا على المملكة حلولًا وقدموا لها وعودًا كعادتهم قد لا تطمئن لها المملكة حق الاطمئنان، لكنها تنتظر لترى، كما يقال، وفي الانتظار تبدو للمراقب كأنها تستجيب للرغبة الروسية، بالوقت الذي تراهن فيه على القرارات الدولية السابقة، وموقف المعارضة السورية التي تعرفها تمام المعرفة، ليس من خلال صلتها بأعضاء مهمين فيها فقط وإنما من خلال المواقف العلنية والسرية لمعظم قيادات تشكيلاتها السياسية، والتي تجلت في هيئة المفاوضات ووفدها المفاوض ومن خلال الرفض الإجماعي لمؤتمر “سوتشي” المقترح سابقًا وفي معظم البيانات والعرائض المنشورة ومن خلال الرياض1 و.. و..

إن أي متتبع لما يحصل في منطقة الشرق الأوسط والمواقف الدولية منها لا يستطيع تجاهل مصالح الدول التي تدفعها لاتخاذ مواقف من الثورة السورية ليست -بشكل عام- في مصلحة الشعب السوري، ولا تتناسب بالمطلق مع الأثمان الباهظة التي دفعها من أجل حياة حرة كريمة، وإذا كانت الدول البعيدة جغرافيًا لها مصالح تعتمد على إنهاء الثورة السورية لصالح نظام قروسطي رفضه معظم الشعب السوري وثار عليه، إلا أن دول الخليج العربي كافة، ولا سيما المملكة العربية السعودية، تستبطن مصالح مختلفة عنهم ومتوافقة إلى حد غير قليل مع مصالح الشعب السوري، الذي لا يخوض معركته الخاصة فقط، إنما هي معركة الدفاع عن الأمة العربية كلها وعن رسالتها الإسلامية القويمة في وجه عدوان ملالي إيران الشرس، الذي إن تمكن من تحقيق أهدافه -لا سمح الله- لن يُبقي أحدًا منهم في سلام، وبالطبع فإن للدول الكبرى مصالحها التي تتقلب مع تقلب موازين القوى، وعندها لن ينفع أحد القول: أُكلت يوم أُكلت سوريا، أو كما يردد السوريون: أُكلنا يوم أكلت العراق، وقد ترجم مجلس التعاون الخليجي والدبلوماسية السعودية هذه المصالح من خلال مواقفه العملية التي جعل لها خطًا لا يمكن تجاوزه، لأن تجاوزه هو التفريط بأهم المصالح الداخلية والخارجية، لدول الخليج جميعًا.

يفترض المتابع لأمور المنطقة أن المملكة قبلت فكرة الدعوة إلى مؤتمر “الرياض2″، ليس تلبية للطلب الدولي أو الروسي فقط إنما أيضًا تلبية لرغبة هيئة المفاوضات بالتوسعة، لكنها قبلت بالوقت نفسه، ترضية للطلب الدولي، باستبعاد معظم رجال هيئة المفاوضات السابقة، حتى إن المؤتمر افتقد لشخصيات كان السوريون يرتاحون لحديثها الإعلامي ومواقفها الجريئة الثابتة، ويعتقدون أنها تمثلهم، وأنها ضمانة لعدم تقديم تنازلات تعيدهم الى مربع الاستعباد والفساد والطائفية، بالمقابل كان مجلس التعاون الخليجي ممثلًا بالخارجية السعودية واثقًا أن كثيرًا ممن دعوا هم أهل لحمل الأمانة، وبأن سوريًا كائنًا من كان لن يستطيع تجاهل الدماء وخيانة المسؤولية التاريخية ولن يقبل أن يقترن اسمه بالغدر والتفريط بدماء الشهداء وعذابات المنافي والدمار، إلا إذا كان يمثل النظام الذي على شاكلته.

ويبدو أن مجلس التعاون ودبلوماسية المملكة قد ارتاحوا لمخرجات المؤتمر، بعد أن وجد فيه عدد وازن ممن يعتقد الروس وغيرهم أنهم أكثر مرونة من سابقيهم تجاه ما يطرحون، وهاهي المعارضة السورية تتوحد معًا بوفد مرن، لكن ما توافق السوريون عليه فيه بعض ما يشتهي المجتمع الدولي وفيه أيضًا خطوط الدماء الحمر التي خطها كل جنين أجهضته الطائرات الروسية وكل طفل سوري دفنته تحت ركام منزله أو ابتلعته أمواج التهجير، وكل امرأة وشيخ وشاب عانى من الحصار والموت مرضًا وجوعًا وتعذيبًا، تلك الخطوط التي لن يجرؤ سوري واحد من الثوار على تجاوزها، حتى منصة موسكو، اللغم البوتيني في المفاوضات السورية، لم تجرؤ صراحة على الدعوة لبقاء الأسد الأبدي، مع ما بذلته من مناورات وجهد لتمرير الحل الروسي المعلن.

قد يشك السوريون في صلابة أو مرونة بعض الأسماء التي انتخبها المؤتمر أو عيّن معظمها المشرفون عليه، كهيئةٍ أو وفدٍ ينازل وفد النظام في معارك المفاوضات الجارية، ومع الأهمية التي لا يمكن تجاهلها لقوة أو ضعف مستوى التشكيلة الجديدة في قدرتها على إدارة المفاوضات والتعبير عن حقوق الشعب السوري وثورته، إلا أنها كحد أدنى لن تستطيع تجاهل قرار غالبية الشعب السوري بالتغيير الجذري للنظام الأسدي بدءًا من رئيسه، ذلك التغيير الذي يضمن وحده إيقاف عبث ملالي إيران وحلفائهم بمصائر الشعوب العربية، بل يفترض أن دول الخليج العربي وعلى رأسهم المملكة سيكونون أمناء على مصالحهم الاستراتيجية، وفي ما حدث ويحدث في العراق عظة وعبرة، لذا لن يكونوا بعيدين عن قرار الشعب السوري، حتى لو اتفق الكبار على شيء مختلف كثيرًا أو قليلًا عنه.

يعرف السوريون وأصدقاؤهم أن ورقة استقرار سوريا، التي تضمن مصالح جميع المهتمين والمؤثرين هي في أيدي السوريين أولًا وآخرًا، والمأمول من الوفد المفاوض الجديد ألا يُفرط بهذه الورقة مهما اشتدت عليه الضغوط، وليكن على ثقة بأن الأشقاء لن يخذلوه، وأن لغطًا كثيرًا قد يُثيره أعداء الثورة ليسبب إرباكًا له، لكن من يضحك أخيرًا يضحك كثيرًا والشعب السوري مصمم أن يضحك هو لا أن يضحك الأعداء عليه.

مقالات متعلقة

  1. سكة السلامة لمؤتمرات الندامة
  2. هل وجد التحالف بديلًا للأسد؟
  3. الكرة السورية في الملعب الأمريكي
  4. ترامب التاجر وألف ليلة وليلة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي