إهمال الشباب السوري اللاجئ .. تضييق وتغييبٌ للإمكانيات يدفعهم إلى التفكير بالانتحار

  • 2014/08/31
  • 9:29 م

بيروت – تمام محمد

تُركّز معظم المنظمات الدولية والمراكز التأهيلية في دول اللجوء على تمكين المرأة والاهتمام بالطفل، ما يضع الشاب اللاجئ في مجتمعٍ “غير آبهٍ” لما يلاقيه من صعوبات التأقلم والمعيشة في البلد الجديد، في ظل انشغال الأهل عنه لتأمين متطلبات الحياة، ما يؤثر سلبًا على نشاطاته ودوره الفاعل في بناء المجتمع، إضافة إلى التخبط في اتخاذ قرارته المصيرية بالتزامن مع تضييق بعض دول الجوار على نشاطاته.

“أنس” طالبٌ جامعيٌ وناشطٌ في الحراك الثوري في سوريا، لجأ إلى مصر بغية تلقي العلاج بعد تعرضه لمواد سامةٍ، جراء انفجار صاروخ قربه في ريف إدلب أضعف قدرته على الرؤية، إلا أن قدومه إلى مصر لم يغير من حاله شيئًا “فالمنظمات الصحية هنا أخبرتني أن العلاج غير متوفر لديهم”، واقتصر دور الأطباء على “طلب التحاليل دون تقديم العون”، ما دفع أنس إلى القبول بإكمال حياته ضعيف النظر، “أفضل تحمل معاناتي على الذل المتمثل في طرق باب المنظمات والجمعيات التي لا تولي الشاب السوري اهتمامها”.

إهمال أصحاب الخبرات وتهميش قدرتهم على الإنتاج يوقف دورهم الفاعل في المجتمع، فقد دخل أنس هندسة التكنولوجيا والمعلومات في جامعة القاهرة وكان من الأوائل في السنة الأولى، لكن “عجزي عن العمل لتغطية مصاريف الجامعة بسبب حالتي الصحية، أجبرني على ترك الجامعة” في السنة الثانية، “ولا جهة دولية أو محلية تغطي هذه النفقات”، ليبقى محتارًا يفكر تارةً “بالعودة إلى ريف إدلب لمتابعة مسيرته الثورية” وتارةً “بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا”.

وعلى غراره خرج الناشط “علي” من الغوطة الغربية بسبب “الوضع الذي لم يعد يحتمل” إلى لبنان “بغية العيش باستقرار بعيدًا عن المعارك وحياة التشرد”، لكن هذا الهدف لم يلبث أن تغير إلى السفر إلى بريطانيا، نظرًا “لعدم وجود المجتمع الحاضن للشباب، وبسبب التضييق عليهم من قبل الحكومة وفئةٍ من الشعب اللبناني”.

وفي الحديث عن هذا التضييق، يشير الشاب “أبو النور” إلى صعوبة التأقلم في المجتمع اللبناني الجديد، إثر “تقييد نشاطات الشباب وعزلهم عن الانخراط فيه” وخصوصًا بعد أحداث عرسال الشهر الماضي، “إذ زادت ملاحقتهم واحتجازهم لدى الدرك لمجرد الشك في عملهم”، فلم يعد لهم همٌ سوى “توفير قوت يومهم ومحاولة ابتعادهم عن دوريات الجهاز الأمني اللبناني خشية الاعتقال”.

أما عن التعليم، فيواجه طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية اللاجئين “شبح الشهادة”، فوزارة التعليم التابعة لنظام الأسد لا تعطي شهادةً معترفًا عليها إلا لمن يقدم الامتحان في أرضه، والشهادة التي تقدمها وزارة التعليم في الحكومة المؤقتة لا تعترف الجامعات بها إلا في تركيا.

“ضياء” يحمّل الحكومة المؤقتة إهمال التحرك لـ “حفظ مستقبل الطلاب من الضياع”، فكثيرون لا يستطيعون العودة خوفًا من اعتقالهم في سجون الأسد، أما في لبنان “فالهدف الأول للمدارس هو الربح التجاري دون تقديم الشهادة المسجلة” كما يقول ضياء.

كل هذه المشاكل تشكل ضغطًا نفسيًا على الشاب السوري، يدفعه إلى العزلة والانزواء أحيانًا، أو إلى اللحاق بركب الانحراف تارة أخرى، بحسب “غياث” أحد الشباب اللاجئين في الأردن. حيث تضعف العلاقة بين الأهل وابنهم “بسبب الانشغال في العمل من كلا الطرفين”، ما يدفع الشاب إلى الظن بأنه “امتلك مسؤولية التصرف”، فينخرط في “جوٍ غير ملائمٍ للشاب المتزن، حتى يفقد الأهل القدرة على إرشاده”.

وكشفت دراسة جديدة أجرتها منظمة الأمم المتحدة في تموز الماضي، أن 41% من الشباب السوريين اللاجئين إلى لبنان يفكرون بالانتحار، وأن السبب في ذلك يعود إلى عدم شعورهم بالأمان والتعامل الفوقي من قبل بعض اللبنانيين. ويضيف التقرير أن 80% من الشباب المستطلع رأيهم مستعدون للعمل بأي وظيفةٍ حتى وإن كانت لا تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية.

بدورها تحاول بعض المراكز والمنظمات تمكين الشباب معرفيًا وسلوكيًا عبر نشاطات ومبادرات متفرقة، إلا أن الجهود المبذولة تقتصر على مجموعاتٍ شبابية صغيرة، لا تغطي سوى جزء من حاجة الشباب اللاجئين.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع