حين يتجسد الأمل رجلًا
عنب بلدي – خلود حلمي
في حي الحويقة المحاصر في قلب دير الزور، التي أفرغت من معظم سكانها بفعل القصف والدمار، رجل “شايب”، فضل البقاء في المدينة المحاصرة، شهد كل آلامها ونزف شبابها، وظل معلقًا بالأمل الذي سيزيح الغمة عن بلد ارتدى ثوب الحزن والألم منذ أربعة أعوام. يستيقظ “الشايب” كل صباح، يدور على الحارات، يطمئن على الشباب المرابطين، ويبعث الأمل في نفوس المقاتلين والمرابطين على الجبهات.
“الشايب”، ومنذ قصف الجسر المعلق، الذي يمتد فصولًا من العشق في نفوس كل سكان المدينة، اعتاد الذهاب لأول “دنكة”، ينحني أمامها ويحاول إعادة الأحجار المتهدمة إلى مكانها، يرمق الجسر بنظرات حانية، ويغادره إلى أحياء دير الزور ليتابع مهمته التي بقي من أجلها، بثّ الأمل في النفوس المحاصرة، تراه يحييّ الشباب المرابطين، يسأل عن حالهم، ويقبل جباههم ويقول “أنتو أملنا يا ولدي”.
ثم يعاود الرجل المسن الكرّة في اليوم التالي، يزور الجسر المعلق ليجد الحجارة مهدمة، ينحني ثانية، يحاول ترتيب الحجارة في مكانها في محاولة لإعادة إعمار الجسر، ثم يودعه ويعاود مهمته اليومية.
على جبهات المرابطة، ينتظر الشباب قدوم العم الشايب، بابتسامته المرسومة على وجهه، وبكلماته التي تزيد من عزيمة بقائهم من أجل هدف أسمى يرونه في عيون ذاك الرجل المسن، ليشحذوا هممهم ويكملوا بقية نهارهم.
مر عام، والحصار لا زال قائمًا، والعجوز لا زال يزور المعلق ويعيد ترتيب أحجاره، ولا زال الشباب المرابطون في أماكن رباطهم، منهم من استشهد ومنهم من أصيب فأجبر على الرحيل عن المدينة ومنهم من أكره على مغادرتها بعد أن باتت مسكونة بقوى الشر.
في إحدى دول الجوار، أحد الشباب المرابطين الذين أجبروا على ترك دير الزور بفعل الإصابة، يستعيد ذكريات الأيام الخوالي، وكلمات ذاك الشايب “أنتو الأمل يا ولدي” وبكلمات يخنقها الحنين والألم “طلعنا خرطي”.
في وطن استحوذت عليه كل قوى الشر في العالم، وأسقط في يد من خرج دفاعًا عن الأرض والبلد، لا أحد يشعر بطعم الوطن إلا من خرج من أجله يومًا ويعيش كوابيس بعده عنه كل يوم، ويبقى الأمل في عيون من شابوا أو بعيون طفل يشتهي لعبة في ظل شجرة تطل على باب المنزل.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :