عنب بلدي ــ العدد 131 ـ الأحد 24/8/2014
تؤثر الحالة المادية المتردية والظروف الأمنية على سلوك بعض الرجال، ما ينعكس على حياتهم الزوجية، إذ يعمد بعضهم إلى ضرب زوجاتهم أو إهمالهن ما يوصل أحيانًا إلى الطلاق، وسط عجز من أهل الطرفين لإيجاد حلول، خصوصًا مع بعد المسافات.
عنب بلدي ترصد بعض الحالات التي تعاني فيها الزوجات بغياب أهاليهن، وتأثيرها على الحياة الزوجية والحالة النفسية للأطفال، في ظل ظروف الحرب التي تشهدها سوريا.
- ضربٌ ثم طلاق
لا يحق للزوج ضرب شريكته مطلقًا، أو هجرها إلا لعذرٍ وضرورة بالغة، وفق الشرائع الدينية أو القوانين الدولية، إلا أن الظروف المعيشية والأمنية السيئة أضفت نوعًا من التوتر على الحياة الزوجية وتجاوزًا لهذه القوانين، ما دفع في كثيرٍ من الأحيان إلى الطلاق بغية عيشةٍ أفضل بعيدًا عن الشريك.
“فاتن” أم لثلاثة أطفال، تطلقت من زوجها مؤخرًا في لبنان، وعادت إلى أهلها في الغوطة الغربية، بعد أن “صبرت” عامًا كاملًا على معاملة “لا ترقى لمستوى معاملة إنسانٍ عاقل، يضربني بالحزام، يشد شعري أمام أهله وإخوته، ويوجه لي دائمًا كلامًا مهينًا”.
واستمر الحال وسط “حجج واهية لا تقبل بميزان” يقدمها الزوج لأهل فاتن، أو يتهرب من الإجابة على اتصالاتهم المتكررة إثر ضربها.
بعدها نفد صبر “أبو فاتن” وطلقها “حفاظًا على شرفه” كما يقول، مؤكدًا أن “غياب الرادع لصهره في لبنان أدى إلى ذلك”، وأردف “أن تجلس ابنتي وأطفالها برعايتي تحت القصف، خيرٌ من بقائها لدى رجلٍ لا يخاف الله فيها… والذي يصبني يصيبها”.
- إهمالٌ للحقوق الزوجية
كما تعاني بعض الزوجات من تقصير أزواجهن في مناطق النزوح إضافةً إلى زيادة العبء عليهن، إثر انشغال الزوج بالعمل وتأمين ظروف الإقامة المؤقتة والمصروف الكبير.
وغالبًا يتفهم الطرفان هذه الحالة، إلا أنّ زيادة الضغط وابتعاد الزوج عن محاولة التخفيف عن الزوجة، يؤثر على إكمال الحياة الزوجية، كما حصل مع “دعاء” وهي خريجة جامعية متزوجة نزحت مع زوجها من حلب إلى دمشق، إثر القصف التي تعرض له منزلهم.
وانكفأت “دعاء” إلى الطبخ والأعمال المنزلية، في بيت النزوح الذي يحوي قرابة 30 شخصًا من عائلة الزوج، مقابل “إهمالٍ وتقصيرٍ بعد ابتعاد أهلي وانتقالهم إلى إحدى ضواحي دمشق”.
ويعمل زوج دعاء تاجرًا للأقمشة في دمشق بمردودٍ جيّدٍ، “إلا أنّه يحرمني من المصروف دائمًا”، وأوضحت دعاء أن سبب التقصير هو “التقاليد التي تزرعها حماتي في رأسه، إذ لا يرفض لأمه طلبًا ولو كان على غير حق”.
وتشير دعاء إلى ردة فعل الحماة عندما تشتري حاجيات من مدخراتها “تنهال عليّ بالسباب والدعاوي، ليأتي زوجي مساءً ويكمل مسلسل والدته.. إنه يضربني أحيانًا”.
رغم ذلك تتحمل دعاء هذه الأعباء لأن “الصبر على هذه العيشة السيئة، أفضل من الطلاق وخربان البيت”.
- حبسٌ آخر فوق الحصار
ويتعدى الحالات السابقة، انتهاك صارخ لحقوق الزوجة، إذ يعمد الرجل إلى تفريغ غضبه بالضرب المبرح، نظرًا لتأزم حالته النفسية، في حين لا تستطيع الزوجة البوح بما تعانيه خوفًا من ردة فعل عكسية، في ظل غياب الأهل والرادع.
“أم عبدو” إحدى النساء المحاصرات مع زوجها المتخرج من إحدى جامعات دمشق وأطفالها الأربعة في الغوطة الشرقية؛ تقول إن معاملة زوجها لها بدأت تتغير نحو الأسوأ منذ أربعة أشهر، إثر “لجوء أهلي إلى لبنان، وابتعاد أهله عن مكان سكننا”.
وأشارت أن حياتها الزوجية “تحولت إلى جحيم بعد أن كانت بسيطةً هادئةً رغم الحصار”، إذ يخرج “أبو عبدو” من البيت أول النهار “دون أن يخبرني أين يذهب ولا أستطيع سؤاله خوفًا من رده بطريقةٍ عصبيةٍ”، ثم يعود آخره بوجهٍ عابسٍ.
وعندما تحاول أم عبدو الاستفسار من زوجها عن السبب الذي يزعجه يزداد غضبًا، بينما ينهال عليها بالشتائم والضرب حين ترد له جوابًا أو ترفع صوتها مطالبة بتغيير “العيشة التي لم تعد تطاق”.
حاولت أم عبدو تخفيف الضغط عنها، وأخبرت حماتها عن المعاملة التي تتلقاها، إلا أنه عندما علم بالأمر “ضربني بحجرٍ كبيرٍ على يدي، ما ترك رضوضًا مؤلمة فيها”، مشيرةً إلى “صعوبة استمرار هذه الحالة “لم أعد أستطيع العيش معه، أريد الذهاب إلى أهلي، لكنه لا يسمح لي بأخذ الأولاد”.
- عجز أهل الزوجة
على الجانب الآخر، يقع أهل الزوجة في حيرةٍ من أمرهم، فبعد المسافة بينهم وبين ابنتهم وصهرهم يشكل عائقًا يحول دون الوصول إليهما، والاتصالات الهاتفية لا تضمن للفريقين حل المشكلة أو التخفيف من آثارها.
والد دعاء، يحمّل بعض المسؤولية لابنته، عازيًا ذلك أنها “هي من اختارت شريك حياتها رغم الخلافات بينهما فترة الخطوبة”، إلا أنه مستعدٌ لتحمل مصروفها والتكفل بولديها “في حال ترك صهري سبيلهم”.
وقد وجد هذا الحل أسهل من الأخذ والرد مع صهره “لست مستعدًا لجدال شخصٍ مثله لا يرتدع إلا لأمه، وذو عقليةٍ متخلفة”، أما والدة دعاء فليس بيدها حيلةٌ “إلا الدعاء لابنتها بالصبر، سائلةً الله أن يفرج همها ويهدي زوجها”.
أما الحاج أبو ماهر وزوجته (والدا أم عبدو) اللاجئان إلى لبنان، تحدثا لعنب بلدي أنهما يتعرضان لضغطٍ شديد بعد معرفتهما بأن ابنتهم تتعرض للضرب القاسي، فيترددون بالاتصال بصهرهم “للمطالبة بحق ابنتهم أو ردعه ليمتنع عن ضربها، خوفًا من صب جام غضبه عليها، بطريقة أقسى من سابقاتها”.
في حين لا يستطيع أبو ماهر العودة إلى الغوطة “بسبب حصارها أولًا، وخوفًا من خسارته لعمله الذي يعينه على مصروف المعيشة في لبنان”.
بينما تجهش أم ماهر بالبكاء بين الفينة والأخرى، داعية إما “بالهداية أو بالهلاك” لصهرها، نظرًا لما تتعرض له ابنتها من معاملة “وحشية”.
- مستقبل الأطفال في خطر
ويؤثر الجو المشحون في البيت على الأطفال، إذ يقعون أمام مشهدين متكررين يؤثران ربما في مسيرتهم وحياتهم؛ أولهما “تحول الأب إلى آلة للضرب مجردةٍ من المشاعر”، والثاني “انهيار الأم التي تعد قدوتهم ومرجعهم في الطفولة” بحسب المربي أنور، الذي عمل على مشاريع تربوية وتوعوية في الغوطة الشرقية.
وتصف “أم عبدو” حال أولادها الأربعة، “الحزن يبدو على وجوههم، حيث يسألونني كل يومٍ عن السبب الذي يزعج والدهم لدرجة ضربي”.
بينما يفتقدون “حنية وعطف” والدهم، في الوقت الذي هم “بأمس الحاجة إليه” في ظل أصوات القصف والاشتباكات.
وأنهت كلامها “أعتقد أن ابني عبدو البالغ 7 سنوات، يعاني من عقدةٍ نفسية تحتاج طبيبًا مختصًا لعلاجها، ويطلب مني دومًا أخذه والهرب إلى بيت جده”.
من جانبه أفاد المربي “أنور” أنه كما للرجل حقوقًا في الزواج، كذلك للأنثى حقوقها في الحياة الهادئة والكريمة “فإذا كانت كذلك فبها ونعمت”.
وأضاف إن الزواج “ليس رغبةً جنسيةً فحسب، بل هو تكاليفٌ إذا لم يستطع الزوج القيام بها، فلا يحق له الزواج أصلاً”، عازيًا “استعلاء الزوج على زوجته عند غياب الأهل والناصحين، إلى عدم فهمه للحياة الأسرية الزوجية”.
يذكر أنه حتى اليوم لا توجد إحصائيات دقيقة للمنظمات الدولية المعنية تبين عدد المطلقات منذ بداية الثورة في آذار 2011. في حين بدأت بعض الجمعيات الصغيرة المحلية بالعمل على هذه القضية كجمعية الرحمة في حلب، التي تهتم بتوثيق حالات الطلاق والاهتمام بالمطلقات وتمكينهن في المجتمع والقيام برعاية أبنائهن.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :