واجهت المرأة -ولا تزال تواجه- الكثير من الظلم على مر التاريخ، الأمر الذي دفع لظهور حركات تدافع عنها، لتتحول هذه الحركات فيما بعد من هدفها الأول بنصرة النساء إلى معاداة الرجال على وجه العموم.
الشعور بالظلم لن يجعل ردة الفعل الأولية متزنة لا ريب، لكن هذه الحركات ليست حديثة العهد، ما يعني ضرورة إعادة النظر في طريقة حلها لقضايا المرأة، وليست المشكلة برأيي في ردة الفعل المتمحورة حول الأنثى فحسب، المشكلة أنها ترسخ لمزيد من البعد، عدم الثقة، والظلم بين الجنسين، ليس ظلم المرأة للرجل.. بل ظلمها لذاتها.
قد يكون التمحور الأنثوي واضحًا مباشرًا وصريحًا، لكنه يتخذ في أوقات كثيرة شكلًا مموًها لا يزيد عن كونه ردة فعل خفية أخرى، فكثيرًا ما نقرأ -لكاتبات نساء غالبًا- حول ألوهية جسد المرأة، قدسية عطاء المرأة، الطبيعة الأم، الأمومة المعطاءة، الولادة والخلق، الجنس المقدس عند الأنثى. معان كثيرة تتكرر لإعطاء الأنثى دفعة نفسية بقيمتها وأحقيتها في هذه الحياة عبر تهميش الرجل فحسب، وإشعارها بتغلبها وتفوقها وأهميتها الطبيعية على الرجل، الذي طالما أشعرها بألوهيته وسيادته على هذا الكوكب، ويصبح هنا الرد على “ذكورية” مجتمعاتنا أمدًا طويلًا، بـ “أنوثية” تعني استمرار هذه الحرب الباردة، بدل السعي لاتزان طبيعي.
وهنا سؤالي للمرأة: هل أنصفت نفسك من خلال تهميش الجنس الآخر؟
هل أشعرك انكفاؤك على نفسك فقط وموقفك المعادي للرجل بقدسية أو كينونة حقيقية؟
يشبه الأمر أن قررت إلكترونات ذرة ما فجأة أنها في غنى عن النواة، فقط لتثبت لنفسها أنها موجودة مستقلة مهمة بحد ذاتها.
الحصول على اعتراف المجتمع بأهمية المرأة لا يكون بتهميش الرجل مطلقًا، بل بإبرازها وترسيخ دورها عبر الانخراط بأعمال علمية فكرية أدبية ثقافية فنية، بل وحتى تجارية، تعزز مكانتها كإنسان فاعل وفرد مهم في المجتمع، أمام نفسها قبل كل شيء.
فكثيرًا ما تسعى النساء لإخفاء ضعفهن عن العيون ليثبتن أنهن لسن بحاجة لأحد، تسترجل جسديًا، تلعب دورًا لا يناسبها طبيعة، ضعفها هذا يزعجها، تتمنى لو كانت أقوى بنية، أقوى نفسًا، أقل رقة وتأثرًا، وتستشعر أن هذا الضعف مركب “نقص” لعنتها به الطبيعة.
لكن ذات الضعف سيكون بحد ذاته كمالًا لو كان في كنف قوة طبيعية خلقت لأجله، تمامًا كقطعتي أحجية “بزل”، الفجوة ضرورية لتماسك البنيان مع بروز يجاورها. لا أهمية واضحة لمزايا أحدهما إلا بإتمامه للآخر.
موقف المجتمعات التاريخي الظالم للمرأة لا ينبغي أن يقابل بظلم آخر لأي كان.
الحقيقة أن الظلم لم يخدم مصلحة أحد يومًا… ولن يفعل. إذ لن تشعر المرأة بأهميتها وعطائها وجسدها وأنوثتها، إلا بأهمية وعطاء وقوة وذكورة الرجل. لن تترسخ هذه المعاني التي تتحدث عنها ما لم تعترف هي بوجودها في مكملها الكوني وتسمح بإبرازها معه.
ضعفها أمام قوته، رقتها أمام جلده، أنوثتها أمام رجولته، نعومتها أمام صلابته. لا معنى لأحدهما دون الآخر، ولا تميز بأحدهما إلا مع الآخر.
لم لا نعترف بهذا ونعيش معًا بسلام وسكينة وحب حقيقي، واعتراف بحاجتنا الطبيعية لمكملنا الطبيعي، بأنه موجود ليكمل نقصنا، كما نكمل نقصه بدورنا.