عنب بلدي – ضياء عودة
شهد سوق صرف العملة الصعبة في سوريا، خلال الأيام الماضية، تخبطًا على خلفية التحسن الذي شهدته الليرة السورية أمام الدولار، ليلامس حاجز 400 ليرة سورية، ويصل في بعض المناطق إلى 390 ليرة، ما طرح عدة تساؤلات من قبل المواطنين حول مستقبل الليرة السورية وسياسة المصرف المركزي.
وبينما عزا البعض الانخفاض إلى “لعبة” بين المصرف المركزي وتجار السوق السوداء كخطوة لسحب العملات الأجنبية من السوق، اعتبر محللون أنه ظرف يتزامن مع إغلاق الميزانيات، وما يرافقها من تجميع للعملات الأجنبية في الأرصدة، عدا عن الصادرات التي ترتبط زيادتها بتدفق القطع الأجنبي في السوق.
وخلق هبوط سعر صرف الدولار حالة من الترقب لأسعار السلع والمنتجات، إلا أن الأسواق حافظت على أسعارها، وهو ما أثار غضب السوريين، كما ولّد الانخفاض الكبير مخاوف من احتكار التجار للسلع وتخفيض مستوى الحركة التجارية، ما يؤدي إلى ارتفاع بعض المواد.
مضاربة بين المركزي والتجار
بحسب وزيرة الاقتصاد السابقة في حكومة النظام السوري، لمياء عاصي، لا يوجد لهذه التقلبات السعرية سبب واحد، وتساءلت “كيف يبيع المصرف المركزي الدولار بأعلى من سعره في السوق؟”، معتبرةً أن الفوضى سيد الموقف في أسعار صرف العملات، بسبب “عناد (المصرف) وقلة المعرفة”.
وفي حديث إلى موقع “داماس بوست“، أضافت عاصي أن انخفاض سعر الدولار مقابل الليرة السورية يعتبر مؤشرًا له انعكاس إيجابي على الحياة الاقتصادية، ولعل المضاربات هي من أهم أسباب تقلبات أسعار العملات.
الباحث الاقتصادي يونس الكريم أرجع سبب الانخفاض إلى محاولة المصرف المركزي والتجار الاستفادة من الحرب التي نشأت خلال الفترة الماضية بين حاكم المصرف، دريد درغام، والتجار.
وقال لعنب بلدي إن الانخفاض ليس لعبة من المصرف كما يرى البعض، مشيرًا إلى أن حصار الغوطة وخروج مناطق واسعة من تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” أسهم في تخفيض سعر الدولار إلى ما هو أقل من المتوقع.
وتزامن تراجع الدولار مع خطوة مفاجئة اتخذها المصرف المركزي بتخفيض سعر الصرف الرسمي إلى ما دون السعر في السوق الموازي، ووصلت نسبة التخفيض إلى 11.43%.
وجرّ تحرك المركزي مزيدًا من الانخفاض لسعر السوق الموازي، وهو ما دفع أغلب المتعاملين بالدولار إلى وقف تعاملاتهم والامتناع عن بيع وشراء الدولار.
ورأى الكريم أن الانخفاض الكبير لسعر الصرف (12%) يأتي أيضًا بسبب شركات الصرافة التي وجدت الفرصة سانحة لتعويض الخسارة التي لحقت بها سابقًا من قرار المصرف المركزي الخاص بالحوالات المالية.
وكان المركزي أصدر، الثلاثاء 31 تشرين الأول، قرارًا منع بموجبه سحب أكثر من حوالة مالية واحدة في الشهر، أو تصريف العملات الأجنبية أكثر من مرة واحدة في الشهر، في مختلف قطاعات المصارف والصرافة.
واشترط المركزي استلام الحوالة بالليرة السورية إذا كانت أقل من 500 دولار أمريكي، أما إذا كانت أكثر من ذلك، أو استلم الشخص أكثر من حوالة في الشهر، فيمنع سحبها ويتوجب إبقاؤها وديعة في البنك لمدة ثلاثة أشهر، وفي حال أراد الشخص سحبها قبل ثلاثة أشهر فإنه يأخذ قيمتها بالليرة السورية حصرًا، بعد دفع عمولة قيمتها 10% من قيمة الأموال.
وأرجع الكريم قرار المصرف إلى بوادر خلاف مع شركات الصرافة والتخوف من تجمع الكتلة النقدية بأيدي تجار كبار ومضاربتهم على الليرة السورية مستقبلًا، فأراد “المصرف” تجميد عمل شركات الصرافة بهذا القرار، مشيرًا إلى إلغاء القرار في حال الاتفاق بين المصرف وشركات الصرافة.
زيادة قيمة الصادرات
أستاذ الاقتصاد في سوريا ورئيس هيئة تخطيط الدولة سابقًا، تيسير رداوي، كان له وجهة نظر مختلفة، واعتبر في منشور له عبر “فيس بوك” أن قيمة العملة ترتبط بالصادرات، فعندما تزداد يتدفق النقد الأجنبي إلى داخل البلد، وتصبح العملة الوطنية قوية، أو ترتبط بزيادة الإنتاج، وبالتالي تقل الحاجة للاستيراد، وتنخفض في حالتنا قيمة الدولار والعكس صحيح.
وأوضح أن الموضوع مرتبط بكمية ونوعية الإنتاج، لافتًا إلى أنه إذا لم يكن هناك تبدل حقيقي في بنية الاقتصاد فالتغير سببه المضاربة، وبالتالي الهدف سحب أموال المواطنين التي يعتقدون أنها آمنة، وأن هذا التغير الحالي مؤقت ولن يدوم.
في حين اعتبر الكريم أن الانخفاض هو “وهمي باتجاه واحد”، معتبرًا أن الانخفاض سيؤثر على المواطن وقمية الحوالات المالية التي تأتيه من الخارج، والمساعدات التي يتلقاها من المنظمات بشكل سلع، لأنه بانخفاض قيمة الدولار ستنخفض نسبة المساعدات والحوالات المالية.
وتوقع عودة الدولار للارتفاع وتجاوزه حاجز 500 ليرة سورية.
وبالتزامن مع التصريحات الخاصة بالانخفاض المفاجئ، هاجم حاكم مصرف سوريا المركزي السابق، أديب ميالة، سياسة مصرف سوريا المركزي الحالية بشأن سعر الصرف، ووصف قراراته بأنها “ارتجالية وتدل على عدم المعرفة بالشيء خاصة ما يتعلق منها بالحوالات”، معتبرًا أن “سياسة المصرف لا تواكب توجهات الحكومة”.
وحول انخفاض سعر الصرف، أوضح ميالة أنه “هبوط غير صحي”، متسائلًا “هل توجد عملة في كل دول العام تتحسن خلال 24 ساعة بمقدار 12%، خاصة وأن شركات البورصة في العام الواحد لا يصل ربحها إلى 12%”.
أسعار السلع بعيدة عن “التخبط“
وأمام هذا الواقع المالي “المتخبط” تتالت التساؤلات والتكهنات من قبل المواطنين حول أسعار السلع ومدى تأثرها بواقع الصرف الحالي، وطالب المواطنون التجار بتخفيض الأسعار.
وأوضح الكريم أن الأسعار لن تتأثر لأن السلع الموجودة في المخازن مستوردة على أساس سعر صرف 535 و540، ومن غير الممكن البيع بأقل من سعر الاستيراد.
وأشار إلى أن الدورة السلعية في سوريا 45 يومًا، وبالتالي الدولار لن يصمد هذه الفترة وسوف يتغير.
وبحسب وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري فإن انخفاض سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار لن يؤدي إلى خفض الأسعار.
وقال معاون الوزير، جمال شعيب، لصحيفة “الوطن”، الأربعاء 29 تشرين الثاني، إن “الانخفاض الحالي في سعر صرف الدولار أمام الليرة، لا يمكن أن يؤثر بشكل مباشر في خفض أسعار السلع والمواد في الأسواق”.
واعتبر شعيب أن أغلب السلع الموجودة في الأسواق حاليًا استوردها التجار وفقًا لسعر الصرف السابق، أي بحدود 500 ليرة للدولار الواحد، مشيرًا إلى أنه لا يمكن مطالبة التاجر بتخفيض أسعار سلع استوردها بسعر صرف مرتفع عن الحالي.
وإضافةً لما طرحه سابقًا، اعتبر الكريم أن أحد أسباب الانخفاض المفاجئ هي فترة إغلاق الميزانيات، وما يرافقها من تجميع الدولار وعملية الترصيد السنوي من قبل الشركات، والتي تتركز بشكل أساسي في شهري شباط وآذار.
وأوضح أن الشركات استفادت من جمع الدولار كخطوة لتسكير الحسابات، والظهور بموقف “الرابح” من القطع الأجنبي الموجود، وبالتالي جذب الاستثمار في حال إعادة الإعمار وعملية الخصخصة.
واعتبر أنه في حال نجاح المفاوضات السياسية في “جنيف 8″، ستؤدي إلى إدخال مواد أولية وبالتالي الحاجة إلى الدولار، وصولًا إلى انخفاض قيمة العملة السورية مجددًا، والبدء بالاستيراد وليس التصدير.