عنب بلدي – درعا
يستعد رياض النحاس، أحد قاطني بلدة طفس في ريف درعا الغربي، لفصل الشتاء، بالبحث عن وسائل التدفئة له ولعائلته، مركزًا على اختيار الوسائل الأكثر أمنًا والأقل تكلفة، لملائمة الظروف الحالية وخاصة الاقتصادية، التي تمر بها المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة السورية.
ويشكّل قدوم الشتاء والظروف المناخية المرتبطة به خبرًا غير سار على سكان المخيمات، وعلى المقيمين تحت أسقف هدمتها الطائرات الروسية والنظام السوري في الحملات العسكرية المتكررة التي طالت المنطقة في السنوات الماضية.
الاختيار يحتاج إلى تفكير
وأوضح رياض لعنب بلدي أن وسائل التدفئة ليست متوفرة بشكل دائم، وتقابلها أسعار مرتفعة أيضًا، معتبرًا أن “الاختيار يحتاج إلى تكفير”.
وأشار إلى أنه عقب انقطاع المازوت ”الأنباري“، الذي كان يأتي من مناطق تنظيم ”الدولة“ عبر السويداء، والاعتماد على المازوت القادم من مناطق سيطرة النظام السوري، أصبحت الكميات المتوفرة في الأسواق قليلة وسعرها مرتفع، وربما تنقطع في أي لحظة، لذلك يبتعد غالبية الأهالي عن هذه الوسيلة في التدفئة.
ولا يوجد سعر ثابت لمادة المازوت في مناطق سيطرة المعارضة، فهو مرهون بالكميات الواردة من مناطق سيطرة قوات الأسد وباحتكار التجار له، ويتراوح سعره بين 400 إلى 450 ليرة للتر الواحد.
وتحتاج عائلة السيد رياض، التي تتكون من خمسة أفراد، إلى ثلاثة آلاف ليرة (ما يزيد عن سبعة دولارات) يوميًا للتدفئة فقط، ما دفعه للجوء إلى الحطب الذي يعتبر وسيلة التدفئة الأكثر انتشارًا في محافظة درعا، رغم ما خلفته من آثار تدميرية على البيئة والمساحات الخضراء نتيجة عمليات قطع الأشجار والتحطيب.
وقال النحاس إن الحطب ارتفع خلال العام الحالي بشكل كبير مقارنة بالعام الماضي، ليتراوح سعر الكيلو الواحد بين ثماني وتسع ليرات، مقارنة بست ليرات في العام الماضي.
وأضاف ”اشتريت نصف طن من الحطب، وهو وسيلة تدفئة متعبة أكثر من المازوت، إذ يحتاج لتخزين جيد جدًا حتى لا يتعرض للرطوبة، وعند استخدامه للتدفئة يحتاج إلى مراقبة دائمة”.
وبشكل مشابه للحطب، يستخدم الأهالي “تفل الزيتون” كمادة للتدفئة أيضًا، وهي مخلفات ثمار الزيتون بعد عصرها، حيث يتم تجفيفه وسكبه على شكل مكعبات، ويستخدم كمادة للتدفئة بذات أسلوب الحطب،
وتصل قيمة المكعب الواحد إلى سبع ليرات.
ودفعت الحاجة بعض الأهالي، لا سيما مربو الأبقار، إلى إعادة التقاليد القديمة في التدفئة باستخدام ”الجلّة”، وهي روث البقر، الذي يتم تجميعه وخلطه بمادة التبن وتجفيفه لعدة أسابيع قبل استخدامه في التدفئة.
خياران للتدفئة على الجانب الآخر
على الجانب الآخر، تبدو الأمور أكثر اختلافًا لدى الأهالي القاطنين في مناطق سيطرة النظام السوري، لكنها تحمل “معاناة من نوع مختلف“، كما وصفها السيد ”أبو عصام“ الذي يقطن في درعا المحطة.
وقال لعنب بلدي إن معظم الأهالي مخيرون بين وسيلتي تدفئة فقط، إذ لا تتوفر وسائل تدفئة كالحطب أو التفل، والأهالي مضطرون للتوفيق بين استخدام الكهرباء والمازوت في تدفئتهم.
ورغم توفر الكهرباء بشكل جيد نسبيًا، إلا أن “لهيب فواتير الكهرباء يمنع الأهالي من استخدامها بشكل رئيسي، فوسائل التدفئة بواسطة الكهرباء تستهلك كميات كبيرة جدًا، ما ينعكس على الفواتير المرتفعة”.
وأشار ”أبو عصام“ إلى أن معظم الأهالي يختارون التدفئة بواسطة المازوت بشكل رئيسي إلى جانب الكهرباء، لا سيما أن الحصول على المازوت محدود بكميات قليلة.
وأوضح أن النظام عمد إلى توزيع المازوت على الأهالي في مناطق سيطرته بسعر 185 ليرة لكل ليتر، وبمعدل 200 ليتر لكل عائلة.
كثيرة هي الاختلافات التي أصابت الشعب السوري في حياته اليومية بين القاطنين في مناطق سيطرة النظام والمعارضة، فقد أحدثت نظام الأسد شرخًا بين الجانبين، يبدأ بالحصول على رغيف الخبز ولا ينتهي بحق الحياة، ليعيش المدني مأساة المقارنة الدائمة بين كيف نعيش نحن وكيف يعيش الآخرون على الجانب الآخر.