جريدة عنب بلدي – العدد 20 – الأحد – 17-6-2012
عن المصداقية في نقل الأحداث
خرج الشاب خالد أبو صلاح (25 عاما) من قلب الأحداث العنيفة في حمص ليظهر بوجهه الحقيقي على شاشة الجزيرة، وينقل للعالم بالصوت والصورة جانبًا مما يحدث في مدينته، فكان موجودا في بعض الأوقات تحت القصف وأثناء إطلاق النيران وفي المستشفيات الميدانية بين الجرحى والقتلى وبين عناصر الجيش الحر وفي بيوت الأهالي، وعلى هذا الأساس هناك من يقول إنه يستحق لقب «المراسل الحربي».
وفي حديثٍ لعنب بلدي قال أبو صلاح إنه لم يتلق دراسة أكاديمية أو تدريبًا في الصحافة والظهور على وسائل الإعلام، وكان يتابع الإعلام ويطالع الصحف قبل الثورة ككل المتلقين ويتابع دراسته للغة العربية، لكنه وضمن هذه الظروف التي أجبرته على القيام بهذه المهمة الشاقة يقول إنه يحاول الالتزام بمعيار الصدق فيما ينقله وإيصال نبض الشارع الذي يعد نفسه جزءًا منه ويريد أن يبقى كذلك، وأضاف أنه يحاول تحليل ما يحدث وفهم تكتيكات النظام.
المصداقية والدقة
وفيما إذا واجهته حالات لتضخيم بعض الأحداث قال «إن بعض النشطاء يضعوننا أمام مواقف حرجة عندما يقومون بتهويل بعض الأحداث وعندها أتحاشى الظهور لأني لا أستطيع أن أكذب أو أهول الأمور وذلك للحفاظ على مصداقية الثورة ولئلا يصبح إعلام الثورة شبيهًا بإعلام النظام».
وذكر أنه في مجزرة الخالدية كان الناس جزعين هناك واتصل به أصدقاؤه لتغطية الحدث وهم يبكون لشدة المناظر المؤلمة، حيث سقطت قذائف الهاون على مدنيين متجمعين قرب حديقة، ما أدى إلى امتلاء المشفى بالجرحى، وأعطته مصادره أعدادًا مهولة من الشهداء فظهر على الإعلام وتحدث عن المجزرة، لكن في اليوم التالي تبين أنه كان هناك زيادة في أعداد القتلى بحدود 70 شخصًا، وكانت الفوضى العارمة التي حلت أثناء وقوع المجزرة وكثرة الجرحى عوامل ساهمت في عدم الدقة، وأوضح أن ذلك سبب له انزعاجًا شديدًا لأن مثل هذا الأمر يمكن أن يضرب بمصداقية الثورة التي تعتبر أساس النجاح، واعتذر الجميع عن ذلك الخطأ.
وأضاف أن حمص مدينة لا تعرف الراحة، والموت يترصد أبناءها في كل مكان، فكل يوم ثمة حدث ساخن وشهداء جدد و100 شهيد سقطوا فعلًا يومها ينسون خلال يومين وتلا ذلك استشهاد 40 شخصًا ممن كانت إصاباتهم بالغة خلال الأسبوع التالي، وبكل بساطة يمكنه عدم ذكر تلك الحادثة لكنه أكد على حرصه على قول الحقيقة والاعتراف بالأخطاء.
وأردف أن بعض النشطاء يظنون بأن التضخيم يفيد الثورة وقال «هذا بالطبع غير صحيح فالقوة تكمن في الصدق والإتيان بالحجة التي لا تقبل النقاش، وهذا يدفعنا للانتقال من نقل الحدث إلى الدفاع عن الحدث وهنا يكون المقتل»، معتبرًا ذلك يخدم النظام بناحيتين حين يضرب مصداقية الثورة والأمر الآخر التسبب بردود أفعال عنيفة من قبل النظام بسبب التضخيم، «فعندما تقول أن هناك قصفًا عنيفًا لمنطقة لا يكون القصف عليها عنيفًا، وقتها يرد النظام بقصف عنيف لتلك المنطقة، وهذا لا يساعد الأهالي وإنما يزيد من معاناتهم، خصمنا من يجب أن يدافع عن نفسه لأنه يكذب ونحن لا يجب أن نكذب مثله».
الصحفيون الأجانب
وبيّن أبو صلاح أنه التقى بمعظم الصحفيين الأجانب الذين دخلوا حمص، واستفاد هو رفاقه من جوانب عديدة من خبراتهم الصحفية والتقنية والإنسانية، كالتصوير ونقل الخبر والتعامل مع الحالات الإنسانية، من خلال التركيز على الإنسان الفرد الذي يأكل ويشرب ويعيش وكيف تنقل معاناته ويجعل من عدسة الكاميرا عينا متحركة ترصد كل ما يلفت الانتباه في هذا الإنسان، وأهم ما تعلموه أيضًا هو العمل معًا بروح الفريق.
وتابع أن للصحافة مهمة عظيمة تستدعي التضحية لكشف الحقيقة كما حدث مع الصحافيين الأجانب ماري كلفن وريمي أوشلك وبول كونري وإيديت بوفييه وخافييه حيث مكث معهم في منزل واحد، إلى أن استشهد ماري وريمي واستطاعوا إخراج ايديت وبول وخافييه من بابا عمرو.
وقال أبو صلاح «يحزّ في نفوسنا أن الصحفيين الأجانب ووسائل إعلامهم تدخل وتخاطر وتضحي بينما لا يفعل ذلك الصحفيون العرب والسوريون رغم أن دماءنا واحدة».
وعقّب أن هذه التجربة علمته أن الصحافة تستحق التضحية لأنها آخر ما تبقى من الضمير الإنساني إذا قام عليها أصحاب الضمير، وإن كانوا بلا ضمير تحولت إلى منبر يحاب الحق بالباطل، وقال إنه لا يعمل مراسلًا معتمدًا لأي وسيلة إعلامية رغم أن أكثر من جهة طلبت منه ذلك، «لأن الصحفي المراسل يجب أن يكون محايدًا، لا أستطيع أن أكون محايدًا أمام أهلي الذين يقتلون، أنا جزء مما يجري ولا أستطيع أن أفصل نفسي عن الأحداث»، بحسب قوله.
خالد أبو صلاح قال «إن فداحة ما يجري في حمص استدعت نقل الرسالة بالصوت والصورة، حيث أن الصوت وحده ماعاد يؤدي المهمة، ولم يعد لدينا شيء نخسره، لأن الموت والحياة أصبحا سواء في سوريا»، ولاسيما أنه مثل أهالي حمص دفع ضريبة المطالبة برحيل الأسد بهدم منزله تحت القصف، وأن 80 بالمئة من المنازل في حي بابا عمرو والصفصافة والإنشاءات دمرت، أما بقية الأحياء فالنسبة أقل من ذلك.
وعن عائلته الصغيرة فقد استشهد أخوه ذو الأعوام الـ 14، وانشق أخاه الآخر (19 عامًا) عن الجيش النظامي، ويقول إن الخاتم الذي يحرص على وضعه في يده بقي له تذكارًا من والده الذي أعطاه إياه قبل سفره.
في حين فقد 4 من أصدقائه وأصيب هو وآخرون بشظايا جراء تعرضهم لقصف، وقال «لقد تعرضت لموت محقق عدة مرات، وفي كل مرة أنجو بأعجوبة ربانية».
وركّز خالد في حديثه على أن هناك آلاف السوريين الذين يعملون بصمت ولا أحد يعرف عنهم، وأن عمله في الثورة ليس فرديًا وإنما نتيجة جهد جماعي للعديد من الشباب في المكتب الإعلامي للثورة وعلى وجه الخصوص الناشطين في بابا عمرو، ولفت إلى أن العديد منهم قدموا أرواحهم ثمنا لنقل الصورة من داخل حمص.