تحت الضغط المادي والاجتماعي … تزويج البنات في بلاد النزوح، سترة أم كارثة
حسام الزير – بيروت
لاتزال الظروف المادية المتردية للاجئين السوريين في البلدان المجاورة تدفعهم مع امتداد شهور الأزمة إلى المساس أكثر بما يعتبرونه ”عادات وتقاليد”، والتنازل عن كثير من الشروط الاجتماعية التي كانت تضبط حياتهم المستقرة في بلادهم في سبيل تخفيف الأعباء وضمان حياة أقل سوءًا. إذ تحولت مناسبة اجتماعية كالزواج إلى حالة ”سترة” لا أكثر، لتنتشر الظاهرة في سن مبكرة، وتبدأ معها قصص استغلال الفتيات والتلاعب على الأهل. كما دفع عدد من الآباء أبناءهم وبناتهم إلى سوق العمل لتغطية نفقات الحياة، وذلك على حساب تعليمهم وتربيتهم.
- الظروف المادية تتحدى العواطف
تضيق الظروف المادية يومًا بعد يوم، نظرًا لقلة فرص العمل لدى السوريين في بلدان لجوئهم، لكن رب الأسرة مضطر لتحمل أعباء عائلته حتى لا يرغموا تحت ضغط الحاجة على التشرد أو التسول.
أبو عمار لاجئ سوري في مدينة صيدا في لبنان يقول ”عملي لا يكفي نصف احتياجات أسرتي، فراتبي الشهري لا يتجاوز الـ 250 دولارًا، وهو ما اضطرني لجعل أولادي يعملون لتغطية باقي الاحتياجات، على الرغم من أعمارهم الصغيرة”.
فيما تعمل ابنتا أبو مازن، وهو حلبي مقيم في بيروت، في محل لبيع الأدوات المنزلية، بينما لا يستطيع الابن الصغير العمل بعد، لكن ”عندما يكبر قليلًا سأرسله ليعمل في سوبر ماركت قريبة من مكان سكننا… كل ذلك حتى نغطي تكاليف إيجار المنزل وحاجتنا الأخرى” كما يقول أبو مازن. ويتابع ”ماذا أفعل؟ أعلم أنهم يجب أن يكونوا في مدارسهم الآن، إلا أن ظروف الحياة أصعب من أن أفكر بعواطفي كأب”.
- التخفف من أعباء البنات بتزويجهن
تقول أم منصور، وهي لاجئة مقيمة في مصر، ”ظروف الحياة صعبة جدًا؛ فلا عمل يغطي مصاريفنا المتزايدة، وليس لدي زوج أو ابن يساعدني على الحياة، فاضطررت لتزويج ابنتي حلا بعمر 17 عامًا من شاب مصري، حتى تتمكن من البدء من جديد في حياتها بعيدًا عن مآسي الحاجة”.
وتبدي أم منصور عجزها، أمام الخوف من ”وقوع الفتاة في الحرام” تحت ضغط الحاجة، ما اضطرها للقبول بأول شخص قادرٍ على إيواء ابنتها في مسكن وتأمين احتياجاتها، ”هي الحاجة للمعيل أكثر من الحاجة لزوج”.
أما أم مسعود المقيمة في لبنان، فيعاني زوجها من إعاقة جسدية ولا يستطيع العمل، لذلك اضطرت إلى تزويج بناتها الثلاث ”ابنتي الأخيرة تزوجت قبل 3 أشهر من شاب سوري من مدينة حمص، وهو يستأجر منزلًا مع أمه وأخته وهو يعيلهم جميعًا”.
وتتمنى أم مسعود لو أن بناتها اخترن أزواجهن بأنفسهن ”لكن ما باليد حيلة”، إذ لم يكن أمامهن سوى فرصة واحدة ”ليخلصوني من همومهن ويرتاحوا من معاناتهن”.
- ”السترة” تتحول إلى معاناة
تقول حلا (ابنة أم منصور) أن زواجها لم يدم أكثر من شهرين، إذ تبين أن من تزوجت منه لا يملك منزلًا كما كان يدّعي، كما أن عمله ليس دائمًا ”يعمل يومًا ويبقى أسبوعًا عاطلًا عن العمل”. ثم أوضحت ”عرفت فيما بعد أنه كان يريد علاقة جنسية مشرعنة ليس إلا، وبدأت معاملته السيئة لي تظهر شيئًا فشيئًا، وهو ما اضطرني للطلاق”.
وتشير حلا إلى ”النظرة اللاأخلاقية” للفتيات السوريات من قبل كثير من الشباب في المنطقة التي تسكنها، على اعتبار ”هؤلاء الفتيات جميلات، لذلك يحاولون استغلالهن بإيهامهن بالزواج والاستقرار”.
كما تتحدث إيناس، اللاجئة إلى لبنان، عن تجربة مماثلة، حيث زوجها أهلها من شاب سوري مقيم في الحي المجاور، ورغم عدم إحساسها بأي مشاعر تجاهه إلا أنها قبلت الزواج بهدف ”تخفيف العبء عن أسرتي ومحاولة بداية حياة جديدة”.
وبعد شهر واحد، أخبرها الزوج أنه سيستكمل أعمالًا له في دولة الكويت، ثم يعود في غضون شهرين، لكنه لم يعد في المدة المحددة. وإلى الآن مضى سنة ونصف على تركها وحيدة لا تعرف عنه شيئًا. تقول إيناس ”حاولت معرفة مكانه في الكويت إلا أنني لم أستطع… البعض قال لي إنه غادر الكويت وآخرون قالوا لي لم يذهب إلى الكويت أصلًا”.
وتتابع الزوجة المعلقة ”زاد هذا الأمر معاناتي أكثر فأكثر، ولم أعد راغبة في الزواج أبدًا، وربما لا أرغب في الحياة حتى”.
وبحسب إحصائية لمنظمة إنقاذ الطفل الشهر الماضي، فإن نسبة الزواج المبكر تضاعفت بين اللاجئات السوريات في الأردن خصوصًا، وأوضحت أن هذه الحالات قبل اندلاع الثورة عام 2011 كانت تشكل 13 في المئة، لكنها أصبت نحو الضعف بين صفوف الفتيات اللواتي لجأن إلى الأردن.
ضغوط الحياة تتزايد على ما يبدو على نحو كبير بالنسبة للمواطنين السوريين اللاجئين، وظروف اللجوء الصعبة أساسًا جعلت الكثير من الخطوط الحمراء تغدو ضمن مساحة الممكن، فمن سينقذ هذا النسيج المجتمعي من السقوط.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :