إن كان لطارق سويدان السبق عربيًا بكتابه صناعة القائد، فينبغي على أحد آخر أن يكتب كتابًا عن صناعة الظالم. لا يشترط حضور الموهبة عزيزي مؤلف الكتاب المنشود، اتبع فقط ما تشاهده أمامك يوميًا في مجتمعاتنا العربية وسجله حرفيًا، ستكفل لك هذه العملية كتابًا من خمسمئة صفحة على الأقل، مع ضمان انتشاره عالميًا.
بعض الممارسات الأسرية تنفع دروسًا مهمة في صناعة الظالم، مثل المعاني التي يتم ترسيخها بالخلط بين البر بالوالدين والخنوع والذل. عربيًا، لا يحق للابن الإدلاء برأي يخالف أو يحيد عن رأي والديه، فلهما السمع والطاعة والموافقة في السراء والضراء والجيد والقبيح. هل يمكن للابن الذي عاش وفق هذه المبادئ إلا أن يمشي ”الحيط الحيط” مؤثرًا السلامة تحت كنف أي نظام حكم أو أبوة، منتظرًا اللحظة التي يصبح فيها أبًا ليستلم كرسي الأبوة بدوره.
”إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب”، رغم همجية هذا المثل وتوافقه مع شرائع الغاب، إلا أن الجميع يدرون مدى انطباقه على مجتمعاتنا وتصرفاتنا حيال بعضنا البعض. الابن الأكثر شراسة والأحدّ طباعًا ينال الأفضل دائمًا؛ الطالب الأكثر ظهورًا وشغبًا ينال الحظوة على حساب بقية أصحابه؛ التاجر الأقل رحمة والأكثر ”شطارة” يكسح السوق ببضاعته أيًا كان أسلوبه، في مجتمع تسوده نماذج ”الأسوأ”، ”الأقوى” و ”الأشد بطشًا”، حيث لا شيء يدفعك لتكون أفضل، ألين، أكثر رفقًا… لأنك لا تبغي أن تكون حملًا وديعًا بين قطيع من الذئاب.
”المرأة آخرتها بيت زوجها” بغض النظر عن هذا الزوج وعن توافقها معه، بغض النظر عن معاملته لها، هي مضطرة لتحمله والصبر على ما يفعله لأنه دنياها وآخرتها، ولأن وجوده بحياتها ”رحمة ولو كان فحمة”، ولأن ظل الرجل أنفع لها اجتماعيًا من ”ظل حيطة”. المرأة التي عاشت في مجتمع أرضعها هذه الأمثال مع حليب أمها لا يمكن إلا أن يكون الزواج أقصى أمنياتها، ولا يمكن لها إن حصّلته إلا أن تحفظ عش زوجيتها مهما كان واهنًا ضعيفًا محملًا بالإهانة والضرب وسوء المعاملة، وما الذي يضطر رجلًا عاش على هذه الأمثال أن يحسن معاملة زوجته؟ خادمة لمنزله، مربية لأطفاله، جارية خاصة له… لم عليه أن يعاملها برقة مادام المجتمع كفل له صبرها مهما فعل.
الخطيب على منبره، الوالدان في منزلهما، أستاذ المدرسة، الأخ الذكر لإخوته الإناث، تجار السوق الكبار، الزوج في إمبراطورتيه… كلها بعض من نماذج كثيرة لديكتاتوريات صغيرة متجذرة بيننا، تشغلنا عن ملاحظة الممارسات الديكتاتورية للحكام المتعاقبين على دفة الحكم.
صناعة الظالم، ملكة توارثنا إتقانها جميعًا، أفرزت فيما بيننا ظالمين صغار، يساهمون في تعزيز حكم الظلام الكبار عليهم… بكل رضا.
بالتوفيق لمؤلف الكتاب المنتظر..