تثير الأوضاع الحالية في مدينة الرقة مخاوف من تفجر صراع عرقي بين سكانها العرب والقوات الكردية التي استعادتها من قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية”، كما تُطرح تساؤلات عدة عن الجهات التي ستعيد الحياة إلى المدينة.
وكانت “قوات سوريا الديمقراطية“ (قسد) أكدت أنه بمجرد تحرير المدينة سوف يؤول الحكم إلى “مجلس الرقة المدني”، وهو جهاز إداري يتكون في أغلبه من الكرد والعرب.
وأعلنت “قوات سوريا الديمقراطية”، في 20 من تشرين الأول الماضي، رسميًا السيطرة على الرقة، والتي كان تنظيم “الدولة” اتخذها عاصمة له منذ عام 2014.
ولن يكون دعم الجهود العسكرية العربية والكردية المشتركة وحده كافيًا لتهدئة العداء بين المجموعات العرقية في الرقة، حيث تظهر الحاجة لوضع خطة للحكم، والتعاون فيما بين الأعراق من أجل تفادي احتمال نشوب نزاع في المستقبل.
انقسام إثني في الرقة
دانيال سيروير، البروفيسور في إدارة الصراع في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، والباحث في معهد الشرق الأوسط، تحدث لعنب بلدي و”المركز السوري للعدالة والمساءلة” عن التخطيط للحكم بمرحلة ما بعد النزاع في الرقة.
واعتبر أن على “المجلس المحلي في الرقة” أو على الولايات المتحدة (وهي الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية) أن تحرص على توافر مؤسسات يمكن من خلالها حل أي نوع من النزاعات، وألا يشمل عملها الصراعات بين الجماعات المختلفة إثنيًا وحسب، بل أيضًا الخلافات بين العائلات والجماعات التي يُعتقد أن طرفًا ما منها سبق وأن حارب مع تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وأكد أن الكثير من الصراعات تنشأ في الظروف اللاحقة للحرب، ومن المهم أن توجد الهيكلية لإدارة هذه الصراعات، وأن تتضمن نوعًا ما مجلس مدينة وآليات قضائية.
التوترات العرقية لا تنتهي بانتهاء النزاع
وتظهر تجارب الدول أن التوترات العرقية غالبًا ما تدوم بعد انتهاء النزاعات، ومن خلال خبرته في التوسط وعمليات بناء السلام في البلقان والعراق وأفغانستان والسودان وغيرها من الدول، أفاد سيروير بأنه عادة ما يستمر التوتر كما يستمر الصراع، ولكن يبقى السؤال الأساسي عن نوع الآليات المتوافرة لإدارة هذه الصراعات.
وأعطى مثالًا بأنه لو حاول كل شخص بمفرده أن يسترد حقوقه المنهوبة بنفسه، دون آليات قضائية فإن ذلك سيؤدي إلى عنف فردي شخصي علاوة عن تفاقم الصراع الإثني.
احتياجات سكان الرقة
أما عن أكثر الأمور إثارة للقلق بالنظر إلى الوضع الحالي في الرقة، فيما يتعلق باحتياجات سكانها، والخدمات التي قد تؤدي إلى اندلاع صراعات إثنية، أو نزاعات على الممتلكات، اعتبر سيروير أن حاجة الناس للمياه والكهرباء وإزالة الألغام والركام هي متطلبات أساسية لأهالي الرقة لا شك أنهم بحاجة إليها، ولكن في الوقت نفسه فإنه من الخطأ التغاضي عن الحاجة إلى وجود حوكمة أو قضاء، فمن المهم تحديد من الذي سيقرر ملكية الأشياء وإعطاء كل ذي حق حقه.
وأشار البروفيسور إلى أنه إذا لم يكن لدى الشخص طريقة للتوصل إلى قرار قضائي بهذا الصدد، فقد يلجأ إلى استخدام القوة، وإذا ما استخدم القوة فسيتسبب ذلك بزيادة حدة الوضع، فحتى إذا نجح الشخص باستعادة ممتلكاته، لابد أن يكون هناك استياء لدى الطرف الآخر، الأمر الذي سيسهم في تصاعد العنف في فترة ما بعد الحرب، ليس عبر قوات عسكرية منظمة تحارب بعضها البعض، بل يكون الصراع على شكل جرائم قتل بداعي استعادة ملكية، وهو ما سيضمن ألا يحصل أيًا من الأطراف المتنازعة على السلام في النهاية.
من يتولى مهمة إعادة الحياة إلى الرقة؟
وعن الدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة في إعادة الحياة إلى مدينة الرقة في ظل تصريحات المبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، بريت ماكغورك، حول اقتصار ما ستقدمه بلاده على توفير الضرورات الأساسية من كهرباء وماء، وهو ما لا يعتبر استجابة لمطالب الأهالي الذين سيحتاجون بشكل ماس لخدمات أخرى كتشغيل المدارس والمستشفيات، لفت سيروير إلى أن الولايات المتحدة تعوّل على “المجلس المدني” الذي تم تشكيله في الرقة بمتابعة هذه الأمور، معتبرًا أن هذا الأمر منطقي، طالما كان المجلس قادرًا على الاستمرار.
ولكنه أكد في الوقت نفسه أنه من الصعب جدًا أن يتم إقرار ما إذا كان لدى هذا المجلس مقدرات حقيقية سواء من حيث الاستطاعة المالية، الخبرة، أو القدرة على اتخاذ القرارات معتقدًا أنه في الوقت الحالي يصعب معرفة كيف سيتم ذلك.
وفي هذا السياق أشار إلى أن المجتمع الدولي، والمنظمات الدولية ترددت بالالتزام بإعادة إعمار الرقة.
واعتبر سيروير أن الفراغ أمر سيئ، “فإذا ما تركت فراغًا سيأتي أحدهم لملئه، وقد لا يكون هذا الشخص محط إعجابك“.
الاستفادة من التجارب الأخرى
ويرى بعض الأهالي في الرقة أن المجلس المحلي الحالي لا يمثلهم، ويطالبون الولايات المتحدة بإجراء انتخابات في المدينة التي مايزال معظم سكانها خارجها بعد أن دُمر ما يزيد عن 80% منها نتيجة القصف والمواجهات، وهنا يُطرح التساؤل حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستفيد من أخطائها السابقة في العراق، حيث لم تكن الانتخابات حلًا فعليًا للمشكلات.
البروفسور سيروير اعتبر في هذا الخصوص أن للسياق أهمية كبيرة، إذ يجب الأخذ بعين الاعتبار ما يريده الأهالي، وما تقتضيه الحاجة، والتوقيت المناسب لذلك.
ففي العراق، تمت عملية الانتخابات والسعي لوضع دستوري بشكل سريع، انطلاقًا من إدراك مطلق وإصرار على ضرورة أن يكون العراقيون هم من يمنح الشرعية للعراقيين الذين سيتولون الحكم ويضعون الدستور.
وفي ليبيا طالب السكان المحليون بضرورة القيام بالانتخابات، فدونها قالوا إنهم لم يشعروا بشرعية السلطة، فالليبيون هم من قاموا بقيادة الانتخابات المبكرة وليس الأمريكيين.
وأكد البروفسور على أهمية التواصل مع أهالي الرقة لمعرفة ما إذا كانت الانتخابات ستخفف أم سترفع من مستوى التوتر.
ويُعتبر العراق مثالًا على تداعيات رعاية هياكل حكم جديدة في سياق ما بعد النزاع دون التصدي للتوترات الإثنية والطائفية التاريخية.
فقد دعمت الولايات المتحدة، الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة برئاسة رئيس الوزراء، نوري المالكي، اعتبارًا من عام 2006. وفي ظل غياب آليات للمحاسبة، حرم السنة من الخدمات الحكومية وأخرجوا من ديارهم.
وتجاهلت الولايات المتحدة التحذيرات من تزايد الأعمال الطائفية في العراق، كون تركيزها كان منصبًا على محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وتغاضى التحالف الدولي عن الانتهاكات التي ارتكبتها القوات المسلحة العراقية وميليشيات “الحشد الشعبي” الشيعية، لأن النجاح في استئصال التنظيم كان يُعتبر الأولوية الكبرى، وسط وجود أدلة لعمليات قتل وتعذيب ممنهجة وجرائم ضد الإنسانية.
ولتجنّب مصير مماثل في الرقة، من الضروري أن يشعر الأهالي بأن احتياجاتهم يتم تلبيتها بشكل متساو بغض النظر عن الانتماء الإثني، وأن هناك برامج للمصالحة لإصلاح الانقسام الاجتماعي، ومساءلة محلية لقاء الممارسات التمييزية وانتهاكات حقوق الإنسان.
أما التحالف الدولي فيتجلى دوره في المرحلة الحالية برصد الوضع داخل الرقة، والإدانة الصريحة للممارسات السيئة التي قد ترتكب من قبل جميع الأطراف.
أعد هذا الملف من قبل عنب بلدي بالتعاون مع المركز السوري للعدالة والمساءلة
–