محمد رشدي شربجي
لو وجد الإيرانيون مصباحًا سحريًا، لما تمنوا من مارده أكثر من الحرب الأمريكية على الإرهاب، فمن الواضح أن صافي الحرب اللعينة على الإرهاب هذه صب في صالح إيران التي ملأت إدارة ترامب الدنيا ضجيجًا بخططها لمحاصرتها، وهذا لم يكن ممكنًا لولا حرص أمريكي نذل على منع قوى الثورة في سوريا وداعميها وخاصة تركيا من الاستفادة من هذه الحرب، حتى لو تطلب الأمر الاستعانة بقوى وميليشيات إيرانية صرفة تجاهر بولائها ليلًا نهارًا للولي الفقيه.
في هذا الأسبوع أعلن العبادي الانتصار على تنظيم الدولة بعد معارك استمرت لثلاث سنوات قتلت وشردت مئات الآلاف، ودمرت حواضر ومدنًا عراقية قائمة منذ آلاف السنين، ومكنت بالمحصلة إيران من إحكام قبضتها المحكمة أصلًا من خلال ميليشيات الحشد الشيعي على مفاصل الدولة العراقية ورسخت وجودًا إيرانيًا على مجمل جغرافيا العراق.
على الجانب الآخر من الحدود يتجه نظام الأسد لإعلان مماثل، فمع سيطرة ميليشيات إيران على مدينة البوكمال، لا يتبقى للتنظيم إلا عدة جيوب متفرقة هنا وهناك في صحراء العراق وسوريا سيستخدمها منطلقات لشن هجمات خاطفة متفرقة كما كان يفعل في مرحلة الصحوات العراقية.
ما بدا مستحيلًا منذ عدة سنوات، بات بفضل الدعم الروسي والأمريكي -وبفضل المجاهدين طبعًا أولًا وأخيرًا- ممكنًا، فمن كان يتخيل أن نظام الأسد المحاصر غرب سوريا سيستطيع أن يصل غربها بشرقها بهذه السرعة؟ أو أن النظام العراقي المهترئ والمنخور سيستطيع بعد كل هذا استعادة الحكم الذاتي من إقليم كردستان العراق وهو ما عجز عنه صدام حسين في آخر سنين حكمه؟
في سوريا استطاعت الولايات المتحدة من خلال دعمها لحزب العمال الكردستاني ليّ ذراع تركيا، ما دفع الأخيرة نحو التقارب أكثر مع روسيا وإيران في الملف السوري حتى صار التقارب تطابقًا في سوتشي، مع تخلٍ تركي تام عن مطلب إسقاط النظام دون استبعاد التنسيق معه لصالح مواجهة الخطر الكردي الذي تراه خطرًا وجوديًا عليها، ومعروف بطبيعة الحال العلاقة التي تربط الحزب المذكور بالنظام السوري والإيراني، وهكذا إذن دعمت أمريكا حزبًا حليفًا لإيران من جهة ودفعت خصمه للتنسيق معها من جهة أخرى.
الخطط الأمريكية السخيفة لمواجهة إيران جدية لدرجة هددت معها الولايات المتحدة الجيش الحر في البادية السورية إن هو أقدم على مهاجمة قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية المنتشرة في البادية. مع أن الأطفال يعلمون أن طريق حصار مشروع إيران يمر من خلال قطع طريق البادية.
لقد حولت الحرب على الإرهاب مدننا إلى ركام، المدن العامرة من أفغانستان إلى سوريا أصبحت بفضل الإرهاب والحرب عليه ركامًا، نحن سكان دير الزور والرقة والموصل وتكريت والفلوجة ومدن كثيرة انتفضت يومًا في وجه الظلم وحلمت بحاضر ومستقبل أفضل، المسحوقون من الإرهاب والحرب عليه، الذين تتخطفنا طائرات الأمم وميليشياتها وخيمها وأنهارها وأبحرها، حولتنا هذه الحرب إلى وحوش، فلينتظر العالم مزيدًا من الوحشية.