عنب بلدي – درعا
تفاجأ مقاتلو فصائل المعارضة في محافظة درعا بتقليص رواتبهم، إذ طالت الضغوط التي تتعرض لها الفعاليات المدنية والعسكرية رواتب المقاتلين على جبهات القتال، “تاركة الأهالي والمقاتلين في حالة من الصدمة“، كما وصفها حمد الفاعوري، أحد مقاتلي “الجيش الحر“.
وجاءت هذه التطورات بعد تسارع وتيرة الاجتماعات الإقليمية والدولية حول الملف السوري، وما لحقها من ضغوط، فقد تبع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية إيقاف الدعم عن فصائل المعارضة ضغوط أردنية ممزوجة بتهديدات لفتح المعابر الحدودية وتأمين الخطوط التجارية مع النظام السوري، بينما توقفت الكثير من المنظمات الإغاثية عن العمل ولوحت أخرى بقرب توقفها.
الرواتب تنخفض إلى 40 دولارًا
وأوضح الفاعوري أن راتب المقاتل انخفض بنسبة كبيرة، ليصل إلى أقل من 40 دولارًا شهريًا، بعدما كان يتجاوز في بعض الأحيان 200 دولار.
واعتبر أن قرار الاقتطاع من الرواتب هو “نحر للمقاتل”، إذ لا يكفي المبلغ الشخص الواحد إلا لأيام قليلة، متسائلًا “كيف بمن لديه عائلة ويكفل عوائل الشهداء؟”.
ويعتبر قرار التخفيض أسلوبًا جديدًا من الضغط على المقاتلين لترك جبهات القتال، والعودة للبحث عن لقمة يسدون بها رمق عائلاتهم، بحسب المقاتل، الذي رأى أن الأمر سينعكس سلبًا على جبهات المعارك المستنزفة أصلًا، إذ رفض الكثيرون من المقاتلين استلام الرواتب، واعتبروا أنها “نوع من الإهانة”.
ويعتمد الأهالي في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في محافظة درعا على الزراعة والتجارة بشكل رئيسي لتأمين قوت يومهم، ويساعدهم في ذلك ما يصلهم من معونات وحوالات مالية من المغتربين في الخارج.
ولا تختلف أحوال مقاتلي فصائل المعارضة المادية عن عموم الأهالي، فالغالبية العظمى من المقاتلين هم مدنيون اضطروا للانخراط في هذه الفصائل للدفاع عن مناطقهم ضد قوات الأسد، ومع فقدان هؤلاء المقاتلين فرصة العمل وسط انشغالهم بالمعارك والرباط على الجبهات، خصصت الفصائل العسكرية رواتب شهرية لمقاتليها.
ورغم قلتها وانقطاعها المتكرر، إلا أنها مثلت دعمًا كان يحتاجه المقاتلون وسط ظروف معيشية صعبة.
حملة تبرعات لدفع الرواتب
وأمام الواقع الذي يعيشه المقاتلون في درعا من جهة، ولإنقاذ الجبهات “المستنزفة” من المزيد من الخسائر، أطلق عدد من أهالي المحافظة حملة للدعم وجمع التبرعات تخصص عوائدها لتوفير الرواتب للمقاتلين.
واعتبر مصطفى المسالمة أحد المساهمين في الحملة، في حديث إلى عنب بلدي، أن “العائلة التي تموت جوعًا أو بردًا بسبب انشغال معيلها بقتال قوات الأسد هي أمانة ومسؤولية الجميع في الداخل والخارج“.
ويبدو أن جمع التبرعات هو الحل الوحيد المتاح في الوقت الراهن، إذ تعتمد فصائل المعارضة في المحافظة على ما يصلها من دعم مالي من الدول المساندة لها، والذي يوزع القسم الأكبر منه كرواتب للمقاتلين، بالإضافة لما يخصص للأمور العسكرية واللوجستية.
إلا أن المسالمة أوضح أن معظم فصائل المنطقة الجنوبية تفتقر للموارد المالية الذاتية، الأمر الذي تركها “رهينة ما يصلها من دعم”، محملًا رجال الأعمال المغتربين المسؤولية الكبرى.
وبحسب وجهة نظره “كان يجب ألا يترك المقاتلون وعائلاتهم رهينة بيد الدول، تدعمهم متى أرادت وتقطع عنهم الدعم متى أرادت، وهنا تكمن مسؤولية رجال الأعمال والمقتدرين ماليًا الذين كان يجب عليهم التكاتف، وتوفير الدعم المتواصل لأهلهم في الداخل“.
واعتبر المسالمة أن “تكاتف الأهالي في الداخل وجمعهم للتبرعات لصالح المقاتلين دليل على وقوف الجميع في خندق واحد ضد قوات الأسد، وضد من يحاول دعمها بالضغط على المناطق المحررة“.
ورغم أن الحملة استطاعت خلال أيام قليلة جمع أكثر من أربعة ملايين ليرة سورية (أي ما يزيد عن 8 آلاف دولار)، إلا أنها تحمل “قيمة معنوية” أكثر بكثير من تأثيرها على أرض الواقع، بحسب المسالمة.
نجح نظام “تخفيف التوتر” الذي تم إعلانه في المنطقة الجنوبية، في تموز الماضي، في الصمود حتى الآن، وتمكن من خفض وتيرة القصف وتهدئة جبهات القتال بين قوات الأسد وفصائل المعارضة رغم بعض المناوشات بين الحين والآخر.
منح ذلك قوات الأسد الفرصة لإعادة ترتيب صفوفها من جديد وتجنيد المزيد من المقاتلين والتجهيز للمرحلة المقبلة، في الوقت الذي أثر سلبًا على مقاتلي المعارضة الذين مازالت الضغوط تلاحقهم من الخارج، والعبوات الناسفة والاغتيالات من الداخل.