“حرائق” في “سينما سيتي” بدمشق.. بدون نيران
عنب بلدي – علي بهلول
“تم تعديل مونتاج الفيلم 150 مرة”، ينقل الناقد الفني أنس عدنان ما قاله مخرج فيلم “حرائق”، محمد عبد العزيز، داخل صالة “سينما سيتي” في دمشق، في 19 تشرين الثاني الجاري، خلال أول عرض لفيلمه في سوريا.
صُوّر الفيلم، الذي يتناول حياة المرأة في سوريا، عام 2014، بتمويل وموافقة من المؤسسة العامة للسينما، ووزارة الثقافة.
ووفق ما أكد عدنان لعنب بلدي، فإن سياسة المؤسسة العامة تقضي بعرض الفيلم في العام التالي لإنتاجه، أي أنه كان من المفترض أن تشاهد دمشق فيلم “حرائق” قبل عامين من الآن في 2015.
إلا أن الفيلم، الذي ظهرت فيه شعارات الحملة الانتخابية لرئيس النظام السوري، بشار الأسد عام 2014، وتعرض لمواضيع حساسة مثل الكيماوي، ولجان التحقيق الدولية، وألقى باللوم في خراب البلاد على جميع أطراف النزاع، أدى إلى نشوب خلاف بين مخرجه عبد العزيز، وبين وزارة الثقافة والمؤسسة العامة للسينما حول مضامين ورسائل الفيلم.
“بعض العاملين في فريق الفيلم أبدوا سعادة كبيرة لعرضه في سوريا أخيرًا، قبل الدخول إلى صالة السينما، لكنهم تخوفوا من حذف بعض المشاهد والجمل خلال العرض”، ينقل لنا عدنان بعض ما دار في كواليس “سينما سيتي”، وهذا ما حصل بالفعل إذ تحدثت بعض التقارير الإعلامية عن وجود فراغات غير مفهومة في الأحداث.
وزارة الثقافة تسجل حضورها
قام فيلم “حرائق” بجولة عالمية وفاز بجائزتين دوليتين، الأولى كانت جائزة لجنة التحكيم الخاصة بمسابقة آفاق السينما العربية، ضمن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دوره 38، عام 2016، والثانية كانت جائزة أفضل فيلم متكامل في مهرجان روتردام للسينما العربية، في تشرين الأول الماضي.
بعد نجاح الفيلم على هذا المستوى، أرادت وزارة الثقافة والمؤسسة العامة للسينما استغلال شهرته للظهور أمام الرأي العام بشكل “متوازن”، وكأن السينما السورية تحوي أكثر من وجهة نظر، وفق تعبير عدنان.
أما عن موافقة المخرج وكاتب السيناريو محمد عبد العزيز على عرض الفيلم بهذا الشكل، فيقول عدنان “عبد العزيز يحاول الحفاظ على مشروعه الفني، فحتى لو حصل فيلمه على جوائز خارج سوريا، يبقى الهدف الرئيسي منه هو عرضه للسوريين، وبذلك يكون عبد العزيز قد وصل لما أراده”.
وبالرغم من التنازلات المتبادلة، بدا استقبال العاصمة فاترًا لفيلم حقق نجاحًا لافتًا في تاريخ السينما السورية، وفق ما يراه بعض النقاد السينمائيين، أمثال الراحل بشار إبراهيم، الذي توفي قبل أشهر من عرض الفيلم في دمشق، إذ نقل عدد من متابعي السينما في دمشق لعنب بلدي، ضعف ما لمسوه من تسويق إعلاني لفيلم “حرائق”، بخلاف سائر الأفلام التي تنتجها المؤسسة العامة.
وبحسب بعض ممن حضروا الافتتاح في “سينما سيتي”، فإن العرض كان برعاية وزير الثقافة محمد الأحمد، لكنه لم يحضر شخصيًا إنما اكتفى بإرسال مندوب عنه، فضلًا عن غياب معظم وسائل الإعلام عن التغطية، وكأن ما حصل هو مجرد تسجيل حضور للفيلم في صالات السينما بدمشق.
الإفلات من شباك الرقابة
يحكي الفيلم قصة ثلاث نساء سوريات من طبقات اجتماعية مختلفة في دمشق، تعيش كل منهن صراعها الخاص مع الحب والأمومة في ظل الحرب.
الفتاة الأولى اسمها وداد، تعيش مع أمها في مزرعة دواجن، وتريد الأم تزويجها لرجل ثري لكنه يكبرها كثيرًا، بينما تحب هي ابن خالتها.
والثانية تدعى خولة، تخرج من السجن لتجد أخاها بانتظارها ليقتلها كونها تزوجت دون موافقة عائلتها.
بينما يكون صراع الفتاة الثالثة المنتمية إلى أسرة غنية، بحملها غير الشرعي من صديقها الرسام، الذي يسعى للتخلص من الجنين.
تدور أحداث الفيلم بالشخصيات ليتعارفن في النهاية داخل سينما “السفراء”، في شارع 29 أيار بدمشق، حيث تم تخصيص الطابق الأعلى من السينما ليعيش فيه نازحون.
يحاول المخرج أن ينظر إلى الواقع من ثلاث زوايا نسائية أعمارهن متقاربة بعض الشيء، وتنضم إلى النسوة الثلاث امرأة فقدت جميع أبنائها اسمها “أم علي”، يُجندها شخص من خارج دمشق لتنفيذ عملية تفجير في “سينما السفراء”، بعد أن أقنعها أنها بهذه الطريقة ستلتقي بأبنائها في الجنة.
“بخلاف المتوقع في مثل هذه الأفلام، لا يموت الأبطال، وهذه إحدى نقاط قوة الفيلم”، يقول عدنان، فـ “أم علي” لا تنفذ العملية، بل تهرب إلى سطح بناء على العظم، حيث ينفجر الحزام الناسف بها وحدها.
“في المشهد الذي يظهر فيه المتطرف في أقبية سينما السفراء، تشعر وكأن المخرج أراد أن يربط بقوة بين وجود التطرف في سوريا، وبين أقبية المخابرات، لكن دون أن يقول ذلك صراحةً، بل يكتفي بالصورة والانطباع”، يحلل عدنان هذا المشهد من الفيلم، والذي يبدو أنه فات الرقابة أن تتنبه له.
“الحرائق” تلخص الواقع السوري
لكن هذا الإغراق في الرمزية لم يخادع الرقابة وحدها، فالعديد ممن شاهدوا الفيلم في دمشق، نقلوا لعنب بلدي انطباعًا سلبيًا بعض الشيء حول فهمهم لبعض رسائل الفيلم.
يوضح عدنان هذه النقطة الخلافية “المخرج قام بمعالجة السيناريو الذي كتبه بالصورة والمشهدية التي حملها الكثير من الإسقاطات، وهو أسلوب لم يعتده الجمهور السوري الذي يُفضل أن يسمع حوارات أكثر إسهابًا إلى جانب الصورة”.
يُضيف عدنان “بالنسبة للجمهور المختص نوعًا ما، مثل طلاب الفنون، الفيلم كان جيدًا للغاية، لكن بالنسبة للمشاهد العادي فهو غالبًا لم يتمكن من التقاط جميع معاني الفيلم”.
يعتمد أسلوب محمد عبد العزيز على اكتشاف مواهب تمثيلية شابة وتكليفها بالبطولة، فضلًا عن الخلط بين الممثلين المحترفين، والاستعانة بأشخاص عاديين، أي أنه يُروج للفيلم بمضمونه، وليس بشهرة ممثليه.
“الدليل على صحّة خيارات عبد العزيز، هو نجاح الوجوه الشابة التي يختارها بالدراما بعد سنوات من دخولهم إلى الساحة الفنية”، و”حرائق كان فيلمًا ذكيًا استطاع تلخيص الواقع فنيًا”، يؤكد الناقد الفني أنس عدنان.
وفي الوقت الذي ينجو فيه أبطال محمد عبد العزيز من الموت، تمتد “الحرائق” إلى كل بيت سوري وتلتهم أبطالًا حقيقيين، لم يحالفهم الحظ بسيناريو يخترع لهم مهربًا من آلة الموت التي تطحن جميع المشاهد والصور في البلاد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :