عائدون إلى دير الزور: لا مكان حتى للذكريات هنا
برهان عثمان – أورفة
“كأنها القيامة مرت من هنا”، جملة يصف بها أبو علي (48 عامًا) أحد سكان دير الزور، مدينته المدمرة التي عاد إليها بعد ست سنوات من مغادرتها إلى دمشق، عقب حصوله على إذن خاص من النظام مكنه من دخول حي الجبيلة.
يتجول ”أبو علي“ داخل حيه مستذكرًا لحظة مغادرته، في أيلول 2012، حين اقتحمت قوات الأسد أحياء المدينة واشتبكت مع فصائل “الجيش الحر”، ما أسفر عن نزوح الآلاف عنها، ليبقى قرابة 70 ألف نسمة، يرغب جلهم بالرحيل عن مدينتهم التي لم يبق منها اليوم سوى أكوام من الدمار.
طبقات من الإسمنت والقمامة استقرت مكان منزل ”أبو علي“، ورغم أنه منع من تصويرها، قدر نسبة الدمار في المدينة بأكثر من 50%، وهذا ما أكده مواطنون آخرون سمح لهم بدخول الأحياء التي كانت تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
عاد ”أبو علي“ أربعة عقود إلى الوراء، لدى تجواله في شوارع أحياء الشيخ ياسين والحميدية والحويقة والعرضي وكنامات والجبيلة، متذكرًا طفولته، ويقول إنه بحث بين حنايا مدينته عن بقايا إنسان أو حجر، “لم أجد شيئًا هناك فكل شيء تغير ولن يعود، حتى قبور والدي وأقربائي لم أجدها”.
ووفق مصادر عنب بلدي فإن قوات الأسد، جهزت في الأيام الماضية، باصات لنقل المسافرين من أهالي دير الزور في دمشق، لنقل من يرغب منهم إلى مدينتهم مقابل خمسة آلاف ليرة سورية، بعد سيطرة النظام على كامل المدينة، في 3 تشرين الثاني الجاري.
“التعفيش” مستمر
نزحت أم محمد (72عامًا) من حي العرضي إلى حي القصور في المدينة، قبل خمس سنوات، وتقول لعنب بلدي إن منزلها دمر بالكامل، مشيرةً إلى أن عناصر قوات الأسد والميليشيات “يستغلون ما يجري لتعفيش ما بقي في المدينة، دون اكتراث من أحد”.
“حتى كابلات الهاتف لم تسلم منهم”، تضيف أم محمد، لافتةً إلى أن “آخر السرقات تمثلت بسرقتهم كابلات الكهرباء وشبكة الخلوي“.
لا طريق للعودة
يشعر كثير من الأهالي بالحنين لمدينتهم، إلا أنهم يشككون في إمكانية العودة إليها، ومنهم الناشط مسعود الخلف (28عامًا)، الذي يقطن في مدينة أورفة التركية.
“لم يعد هناك طريق للعودة فالطريق بعيد والحواجز تزداد”، يقول مسعود لعنب بلدي، ويشير إلى أن أهالي المدينة الذين نزحوا منها يتابعون أخبارها وصورها على وسائل التواصل الاجتماعي ومحطات التلفاز.
انتقادات لصور من واقع المدينة
وينتقد الناشط سيد السيد، الذي يعيش في مدينة الحسكة، الصور التي تصل من مدينته، معتبرًا أن “السيلفي التي يصورها عناصر الميليشيات المشاركة في السيطرة على المدينة، تعبر عن الوحشية واستثمار الدمار لصالح النظام، رغم أنه تسبب بجزء كبير منه”.
إلا أن نائل المحمود، المشرف على صفحة “تواصل ديري”، وهي من أبرز المنصات الإعلامية الناقلة لأخبار دير الزور، يرد على حديث الناشط بأن نشر الصور “محاولة لإيصال فكرة الخطأ في مس مؤسسات الدولة ودوائرها، وإبراز الضرر الذي تعرضت له المدينة”.
ويقول نائل لعنب بلدي إنه ينتمي لأهالي دير الزور، دون أي طرف من أطراف النزاع، مشيرًا إلى أن “أغلب المنتقدين يعيشون في الخارج، بعيدًا عن هموم الناس”.
من يتجول اليوم في شوارع دير الزور، يعي أن المدينة تعيش بلا مرافق أو خدمات، وتحتاج سنوات من إعادة الإعمار لتنبض بالحياة من جديد، بينما الثابت الوحيد الذي يتفق عليه معظم الأهالي، على اختلاف مناطق انتشارهم وانتماءاتهم، هو أن المدينة تغيرت ولن تعود كما كانت.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :