بعد تحقيقات غير معلنة، وتوجيه أصابع الاتهام لعدة دول وحركات تحررية جمعها العداء لأمريكا، صدر أمر عن الولايات المتحدة وبريطانيا عام 1991 بإلقاء القبض على مواطنين ليبيين، اشتبه بتورطهما بتفجير طائرة ركاب أمريكية، عن طريق شحن حقيبة تحتوي على قنبلة، بما عرف بقضية “لوكربي”.
فما هي قضية “لوكربي”؟
مساء الأربعاء 21 كانون الأول عام 1988، أقلعت طائرة الركاب الأمريكية “pan am”، متوجهة من مطار هيثرو في لندن، إلى مطار جون كينيدي، في نيويورك، وعلى متنها 259 راكبًا.
وبعد نحو 35 دقيقة من تحليقها، انفجرت الطائرة في الجو، وتساقطت أشلاؤها فوق بلدة “لوكربي” الواقعة في مدينة دمفريز وغالواي الاسكتلندية، ونتج عن الانفجار كرة لهب ضخمة أحرقت 21 منزلًا، وقتلت 11 من سكانها، إضافة لركاب الطائرة.
وبسبب السياق الذي رافق الحادثة من عمليات إرهابية، توجهت أمريكا بالاتهامات لعدة أطراف، اجتمعت على العداء لأمريكا.
المتهمون بحادثة “لوكربي”
بعد وقوع كارثة الطائرة، بدأت أمريكا تكيل الاتهامات لعدة جهات، فألقت المسؤولية أولًا على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة أحمد جبريل، ثم على سوريا، ثم إيران، إلى أن رست على ليبيا.
وكان عند المحققين في القضية عدة تفسيرات، كان أهمها:
التفسير الأول
أعلنت وكالة المخابرات البريطانية أن إيران هي من تقف وراء العملية، انتقامًا لقيام سفينة حربية أمريكية بإطلاق النار”خطأ” على طائرة ركاب إيرانية فيها حجاج، متوجهة إلى مكة المكرمة، والتي أعقبتها تهديدات إيرانية بالانتقام.
وأنه تم الاتفاق بين إيران والجبهة الشعبية، بتنسيق من النظام السوري، الذي كان يرأسه حافظ الأسد، على أن يقوم أفراد من الجبهة بهذه العملية، مقابل مبلغ كبير من المال.
التفسير الثاني
كان رئيس النظام الليبي، معمر القذافي، يقف إلى جانب الحركات الانفصالية، وينتهج سياسة معادية لأمريكا، حيث قامت عناصر من المخابرات الليبية عام 1986 بتفجير ملهى ليلي في برلين، يرتاده أمريكيون، فردت أمريكا بقصف طرابلس وبنغازي.
ما دعا الولايات المتحدة لتبرير تفجير الطائرة، بدافع انتقام ليبيا من أمريكا.
مسار التحقيقات
أسفرت التحريات الأمريكية والبريطانية عن اتهام ليبيا بتدبير العملية، عن طريق اثنين من موظفي الخطوط الجوية الليبية، هما الأمين خليفة فحيمة، وعبد الباسط المقرحي، وطالبت القذافي بتسليمهما، لكنه رفض.
أدى ذلك إلى فرض حصار سياسي واقتصادي على ليبيا، تسبب بخسائر كبيرة، مما اضطر القذافي إلى تسليم المتهمين، ودفع التعويضات لذوي الضحايا، مع الاعتراف بمسؤولية ليبيا عن التفجير.
وبرغم إصرار المقرحي على براءته، واعتماد المحكمة الاسكتلندية على أدلة وصفها البعض بـ “الضعيفة” تابعت المحكمة إجراءاتها ضد المقرحي وحكمت عليه بالسجن المؤبد عام 2003، ثم أطلقت سراحه عام 2009، لأسباب إنسانية.
وفي تعليق على الحكم قالت صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية إن “العنصر الجديد في القضية يدفع بفرضية التلاعب ضد ليبيا، في حين أشارت القرائن الأولى إلى مجموعة صغيرة موالية لسوريا”، وأن القضاة الثلاثة رفضوا فرضية تورط إيران والنظام السوري والجبهة الشعبية التي يقودها أحمد جبريل.
كما ظهرت ادعاءات أن أحد الشهود الأساسيين ضد المقرحي قد تلقى مكافآت مالية ممن المحققين.
ويرى محللون أن المحاكمة في قضية “لوكربي” كانت تحكمها السياسة وليس القانون، وأن القضاة أدانوا الليبي عبد الباسط المقرحي، حفظًا لماء وجه بريطانيا، لئلا تظهر بمظهر الظالمة في حال برأته المحكمة.