ذلّ وإهانات للقادمين إلى المملكة ، سوريون لاجئون.. هذا ما حدث معنا في مطار عمان

  • 2014/08/11
  • 1:59 ص

عنب بلدي ــ العدد 129 ـ الأحد 10/8/2014

حسن مطلق

«على كل السوريين التجمع في المكان …» نداء أطلقته مكبرات الصوت في مطار الملكة علياء في العاصمة الأردنية عمان، بعد وصول الطائرة القادمة من بيروت في 29 حزيران الماضي.

وكان على متن الطائرة الشابة السورية عبير، وهي تقطن عمان وتدرس في جامعة لبنانية، وقد غادرت قبل مدة لتقديم امتحان لها، كما اعتادت منذ استقرارها مع أهلها في الأردن بداية الثورة.

  • ممنوع الدخول

توجهت عبير مع مجموعة من المسافرين السوريين إلى إحدى زوايا المطار تلبية للنداء، متبادلين نظرات التساؤل حول ما يجري، حتى أخبرهم ضابط أردني بأن عليهم الانتظار ريثما «تبت المخابرات بأمرهم».

بعدها اقتاد عناصر من العسكر الأردني المسافرين إلى غرف احتجاز عبر ممرات ضيقة، ووضعوا الرجال في غرفة يفصلها عن غرفة احتجاز النساء باب حديدي، وسط حالة هستيرية من الفوضى والصراخ.

لكن هذه الفوضى توقفت حال دخول المحتجزين إلى الغرف المزرية، ما شكل عندهم «صدمة» أعادت إلى الأذهان زنازين الاعتقال لدى قوات الأسد، التي جربها عددٌ منهم وسمع عنها الآخرون.

وبعد وقت قصير انتشر المسافرون في الغرف عاجزين عن أي تصرف، لكن أحد الضباط فاجأهم «ستعودون أدراجكم لم يسمح لكم بالدخول»، كحال عشرات السوريين الذين منعوا من دخول الأراضي الأردنية منذ أشهر.

عاد الصراخ من غرفة احتجاز النساء وكانت عبير صاحبة الصوت الذي يعبر عن حالتها الهيستيرية، وبدأت بضرب نفسها، بينما حاول بعض النسوة ممن استطاعوا ضبط أنفسهم تهدئتها، وهي تصرخ «أهلي جوا وين بدي روح».

لكنها أفلتت منهم واتجهت نحو الضابط متوسلةً إليه دون جدوى؛ هدأت عبير مستسلمة ورافقت الضابط للوصول إلى حزام الحقائب لتأخذ بعض الأغراض الشخصية. لكنها لم تجد حقيبتها لتعود إلى حالتها الهستيرية وتغيب عن الوعي، ما دفع المسافرين في المطار للاقتراب منها صارخين ومحاولين مساعدتها، في حين اكتفى الضباط بالنظر إليها.

بقيت عبير حتى صباح اليوم التالي في نفس الغرفة، ثم رحلت إلى لبنان دون حقيبتها، حاملة الشعور بالإهانة كحال العائدين معها على نفس الرحلة.

  • لاجئون في قفص الاتهام

عبد الحميد عقيد سابق في الجيش السوري تقاعد قبل الثورة، كان شاهدًا على قصة عبير وغيرها من القصص التي جرت مع عشرات السوريين في ذلك اليوم، وقد تحدث لعنب بلدي عما مر به في المطار حين استقبله الأمن الأردني بالحجز في غرفة صغيرة.

فبعد ساعة على الحجز سأله ضابط أمن المطار عن سبب قدومه إلى الأردن، فأجابه بأنه مقيم في عمان منذ 3 سنوات مع عائلته، موضحًا «سافرت لأرى ولدي الوحيد في مدينة اسطنبول، لكنني محتجز الآن ولا أعلم السبب».

إلا أن الضابط قاطع عبد الحميد متسائلًا «هل أن مستثمر هنا أو تملك إثباتًا بأنك صاحب منشأة تجارية»، فرد «أنا لاجئ ومسجل أنا وعائلتي في مفوضية اللاجئين»، وأبرز عبد الحميد أوراقه وبينها هوية أمنية ممضية من رئيس مخفر الحي الذي يقطن فيه، مشيرًا إلى أن اخته تملك الجنسية الأردنية، فكان الجواب «لماذا غادرت بلد اللجوء؟».

  • إهانة ومعاملة مزرية

كان أول أيام رمضان، وبعد 5 ساعات من الانتظار حان أذان المغرب وعبد الحميد لم يعرف مصيره بعد.

«لا طعام ولا شراب، ولا بد من دفع مبلغ مادي لموظفي المطار حتى يأمنوا لنا بعض الطعام»، وكذلك يفعل المحتجزون في الغرفة كل يوم.

وبعد الإفطار أٌعلم عبد الحميد بأنه سيعود إلى مطار اسطنبول في صباح اليوم التالي، ليشتري تذكرة على حسابه الخاص، لكنه رغم ذلك لم يأخذ جواز سفره الذي ختم بإلغاء الدخول إلى الأراضي الأردنية، ولم يستلمه إلا حين وصل إلى تركيا مع عبارة «أهلًا وسهلًا».

وأوضح عبد الحميد أن أغلب المحتجزين لا يملكون سعر بطاقة العودة إلى البلدان التي أتوا منها، لذلك ينتظرون حجوزات من أقاربهم أو أصدقائهم، وسط معاملة سيئة من عناصر أمن المطار تشبه معاملة الأسرى.

  • أرباح شركات الطيران

عشرات من القصص تحدث يوميًا في مطار عمان، يضيف عبد الحميد «أُحضرت فتاة مختلة عقليًا مع جدتها إلى غرفة الاحتجاز، وبدأت بالصراخ بينما ارتمت الجدة باكية لا حول لها ولا قوة»، كما أعيدت العديد من العائلات القادمة من القاهرة ولم يسمح لهم بالدخول.

ويعاني الممنوعون من الدخول أيضًا من أسعار التذاكر التي تطلبها شركات الطيران مقابل الحجوزات الاضطرارية، وهذا ما واجهته امرأة قادمة من السعودية منعت من دخول الأردن مع أولادها الثلاثة لزيارة أقاربهم، وقررت السلطات ترحيلهم.

لكن العائلة تفاجأت بأن الضابط طلب 6000 ريال سعودي (ما يعادل 1600 دولار) ثمن التذاكر على أقرب رحلة، ولا سبيل إلا لدفعها.

كما أن موظف الأمن لم يخبر العائلة عن موعد إقلاع الطائرة، وبعد مناشدات وصراخ عاد أحد الموظفين يسأل بعصبية عن سبب الفوضى في الغرفة، وأخبرهم أن الطائرة المتجهة إلى السعودية أقلعت، وعاد أدراجه «كأن شيئًا لم يكن»، تاركًا الأم وقد ارتمى الأطفال يبكون في حضنها.

ورغم أن المملكة استقبلت نحو 1.6 مليون لاجئ سوري، حوالي 618 ألفًا منهم مسجلون لدى في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إلا أنها منعت منذ بداية العام دخولهم رسميًا سوى لأصحاب الشركات والعقارات المسجلة قانونيًا.

لم تكن هذه الصور حصرية في مطار عمان، بل هي مواقف متكررة في أغلب الدول العربية والأوروبية، إذ يمنع حامل الجواز السوري من دخول معظم الدول دون «تأشيرة» صعبة التأمين.

ويحتل الجواز السوري المرتبة 178 عالميًا برصيد 39 نقطة بحسب المؤشر السنوي لمؤسسة «هنلي» المتعلق بالقيود على التأشيرات بين الدول، الذي صدر في حزيران الماضي، ويعود تراجع مرتبته إلى الأعمال العسكرية المستمرة في البلاد.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع