لعل أبرز مفارقة تلفت النظر في الذكرى 74 لاستقلال لبنان عن فرنسا، هي إعلان رئيس وزرائها، سعد الحريري، من باريس، قراره العودة إلى بيروت للمشاركة باحتفالات عيد الاستقلال، بعد استقالة مفاجئة له قبل أيام.
وكانت عصبة الأمم المتحدة قد أعلنت عقب الحرب العالمية الأولى، عن وضع أراضي الدولة العثمانية تحت وصاية بريطانيا وفرنسا، وكان لبنان الملحق بسوريا من نصيب باريس آنذاك، بموجب معاهدة سيفر عام 1920.
وفي الأول من أيلول العام نفسه، قام الجنرال الفرنسي الشهير، غورو، بفصل جزء من الأراضي السورية، وأعلنها دولة مستقلة تحت اسم لبنان الكبير، وحكمها المفوض السامي، جورج بيكو، بصلاحيات مطلقة.
وكانت هذه المنطقة تاريخيًا تعرف باسم “متصرفية جبل لبنان”، وتمتعت بحكم ذاتي خلال فترة العهد العثماني.
وقبيل احتلال فرنسا للبنان، كانت الحكومة العربية في دمشق برئاسة الأمير فيصل، تحاول القيام بآخر حركة للدفاع عن ممتلكاتها، لكنها سرعان ما استسلمت فور وصول “إنذار غورو”، الذي أوعز بقبول “الانتداب الفرنسي”، ووقف التجنيد الإجباري، وتسريح الجيش، وبالرغم من الاستسلام العربي تقدمت القوات الفرنسية واحتلت سوريا ولبنان.
أول رئيس للبنان الذي أعلنها رسميًا كجمهورية في 23 أيار 1926، كان شارل دباس، الموالي للاحتلال الفرنسي، والذي تولى الرئاسة ثماني سنوات من 1926 إلى 1934.
وفي عام 1936 وقعت لبنان معاهدة “تحالف” مع سوريا، في محاولة لاستيعاب حركة المقاومة، وسرعان ما رضخت باريس لمطالب اللبنانيين المطالبة بمساواتهم بسوريا، إذ أراد الفرنسيون التأكيد على الانقسام بين سوريا ولبنان، في ظل تصاعد تيار لبناني طالب بالوحدة مع سوريا.
ولأن معاهدة “التحالف” كانت تضمن وجودًا عسكريًا فرنسيًا في لبنان، عمت المظاهرات شوارع بيروت وبعض المناطق اللبنانية الأخرى، حتى فرقتها القوات الفرنسية بالقوة، ووقع النواب اللبنانيون على المعاهدة.
وفي عام 1937 أدخل الفرنسيون تعديلًا على قانون انتخاب المجلس النيابي تعتمد على التقسيم الطائفي، فقاطع الشعب وغالبية النواب الانتخابات.
واعتمادًا على إحصاء فرنسا للسكان، تشكل العرف الذي تم إقراره لاحقًا بموجب معاهدة الطائف، والذي يقضي بأن تكون رئاسة الجمهورية للموارنة، ورئاسة مجلس الوزراء للسنة، ورئاسة مجلس النواب للشيعة.
وتوصل تيار لبناني كان أبرز وجوهه بشارة الخوري، ورياض الصلح، إلى صيغة توافقية سُميت بـ”الميثاق الوطني اللبناني”، والتي تقول إن المسلمين سيتخلون عن مطالبهم بالوحدة مع سوريا، كونهم أصبحوا أقلية بعد التقسيم، مقابل أن يتخلى المسيحيون عن مطلب حماية فرنسا لهم.
وفي عام 1943 وصل بشارة الخوري إلى الرئاسة، وشكل رياض الصلح الحكومة، وأعلنا الاستقلال التام ما دفع بفرنسا لاعتقالهما مع عدد من الزعماء الآخرين في قلعة راشيا.
اجتمع رئيس مجلس النواب، صبري حمادة، مع أعضاء المجلس في قرية صغيرة من قضاء عاليه، اسمها بشامون، وأعلنوا الثورة، وتشكيل حكومة مؤقتة اعتمدت العلم اللبناني كما نعرفه اليوم.
ولم تتمكن فرنسا من معالجة حركة التمرد لانشغالها بالحرب العالمية الثانية التي كانت في بداياتها، وتمكن اللبنانيون من الحصول على استقلالهم في مثل هذا اليوم 22 تشرين الثاني 1943.
–