عنب بلدي – خلود حلمي
ليس من الغريب أن تتحول الثورة السورية في مسارات مختلفة بعد ثلاثة أعوام، وتصبح نشاطات الأيام الأولى مجرد ذكريات تمر على بال الثوار، من ضمن كل الذكريات الممزوجة بمنزل النزوح وأصدقاء رحلوا دون عودة، ومعتقلين مغيبين خلف قضبان السجون ومغامرات مع رجال الأمن، والملاحقات التي باتت كحكايات الجدات تروى قبل النوم.
كثرة القتل والدمار أنست عددًا كبيرًا من الثوار الخروج في مظاهرات أو حتى كتابة لافتات ورفعها بتلك الكثافة القديمة، أو حتى القيام بنشاطات مدنية بعيدًا عن الإغاثة أو تقديم المعونات الإنسانية.
ومع ضغط الأيام المتزايد على السوريين في الداخل، محاصرين أم منتظرين لقذائف أو براميل الموت تهطل عليهم صباح مساء، والانقسامات التي تحدثها فروق الاختلاف بالرأي أو الأهداف، أو حتى مصادر التمويل، وكثرة الفرق المتقاتلة التي تناست هدفها الأول «إسقاط النظام»، يصر كثيرون على استعادة تلك الروح التي تذكر بالثورة الأولى، الروح الواحدة والهتاف الواحد ورص الصفوف، فكانت مظاهرات ريف إدلب للتذكير الثورة بهدف إسقاط النظام، وتذكير الفرق المتناحرة بضرورة التوحد للوصول للهدف بغض النظر عن اتحاد الفكر والمنهج. مظاهرات حاشدة ورفع لعلم الثورة وهتاف «الشعب يريد إسقاط النظام» تردد في الأجواء معيدًا إلى القلوب والذاكرة صورة الأيام التي خلت، حين كان الجميع صفًا واحدًا ينادون بأهداف واحدة. لم تكن المظاهرات السمة الوحيدة لاستعادة تلك الروح الجماعية، ففي غوطة دمشق الغربية، اجتمع نازحون عقب صلاة الجمعة في استذكار لحالات التجمع عقب أداء الصلاة للتظاهر، ولكن وبسبب الظروف الأمنية، لم يكن بوسعهم التظاهر، فكان الاجتماع للتذكير بوحدة الحال والرأفة ببعضهم البعض واسترجاع ذكرياتهم في مدينتهم المحاصرة على أمل العودة إليها يومًا.
في خضم الدم المسفوك والقتل والدمار والنزوح، تبقى هناك أشياء اعتاد السوريون على تجاهلها، وعدم القيام بها ظنًّا منهم أن لا وقت لها الآن، إلا أن إعادة إحيائها تعيد للقلب الأمل وتحيي في الروح بعضًا من حياة، قد تكون ابتسامة تزرع في وجه من حارت الظروف في وهبهم شتى أنواع الآلام والمآسي، دافعًا لهم لابتكار فسحة من أمل يعيشون بها في ظل هذا السواد القاتم.