مصابو التوحد في سوريا.. أطفال زادت الحرب عزلتهم

  • 2017/11/19
  • 12:31 ص
الطفل سعد من مركز "أنا بخير" اسطنبول - (فيسبوك - مركز أنا بخير)

أطفال مصابون بالتوحد بمركز "أنا بخير" اسطنبول - (فيسبوك - مركز أنا بخير)

عنب بلدي – نينار خليفة

هو لا يعبأ بالمحيط، فله عالمه الخاص، متعايش مع ذاته، ولا يميل للاختلاط مع الآخرين أو الاتصال بالناس حتى لو كانوا مقربين، له روتينه الخاص الذي لا يقبل له بديلًا، فأكبر جحيمه هو تغير الظروف والأماكن والبيئة، فكيف إذا اضطر لترك كل ما اعتاد عليه، وتغيير بيته وبلده مرغمًا، مع ظروف الحرب وقسوة المعيشة.

لا توجد إحصائيات عن عدد الأطفال السوريين المصابين بالتوحد، إلا أن تقديرات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن طفلًا واحدًا من بين كل 160 طفلًا يصاب بأحد اضطرابات طيف التوحد في العالم.

“الأوتيزم” أو التوحد هو نوع من الإعاقات التطورية والتي تحصل بسبب عطب معين في الجهاز العصبي المركزي، وتؤدي إلى الانعزال وتأخر أو تراجع بالمهارات اللغوية والاجتماعية، وعدم المقدرة على التكيف مع العالم المحيط.

سعد.. تجربة ملهمة

سعد طفل سوري اضطرت عائلته لترك البلد بسبب ظروف الحرب، وانتقلت إلى العيش في تركيا، وهو ما شكل نقطة التحول في حياته.

كان عمر سعد سنتين وأربعة أشهر، عندما انتقل للعيش في اسطنبول مع عائلته، وحينها بدأت علامات التغيير تظهر عليه بعد أن كان طفلًا اجتماعيًا، وفي البداية لم تأخذ عائلته هذه التغييرات على محمل الجد، وعزت سبب ما حدث لتأثير صدمة الغربة المفاجئة.

ولكن سعد عندما بلغ الثالثة من عمره توقف عن الكلام بشكل نهائي ومفاجئ، ولم يعد يستجيب للنداء، فكان ذلك مؤشرًا مرعبًا لعائلته التي عملت على مساعدته على الكلام مجددًا وعلى التواصل، كما حاولت دمجه مع مجموعة من الأطفال السوريين من عمره، الأمر الذي لم ينجح بل زاد الوضع سوءًا، إذ صار سعد ينفر من الأطفال، ويخاف من الازدحام، ولا يستجيب للتغيير.

تروي والدة سعد، وهي خريجة قسم علم الاجتماع وصاحبة الباع الكبير في مجال التربية والتعليم، لعنب بلدي، “بدأنا باستشارة الأطباء في تركيا وعبر الإنترنت، وتضارب تشخيصهم لحالة سعد إلى أن عرضناه على بروفيسور في طب أعصاب الأطفال بجامعة تركية وهو الذي أكد إصابة سعد بالتوحد”.

وتابعت “مررتُ بحالة من الإنكار بينما كانت عائلتي تحاول مساعدة سعد، وبدأت أشعر بالرعب حين كان يكبر أمامي وينمو نموًا لا يشبه نمو الأطفال العاديين”.

وتحدثت والدة سعد عن معاناة كبيرة واجهتهم في رحلة العلاج، تمثلت بعدم وجود مراكز عربية متخصصة بهذه الحالات، وغياب الكفاءات من الأطباء العرب، بالإضافة لمتاجرة البعض الآخر والذين وصفتهم “بالدجالين” لتزويرهم الشهادة وادعائهم الكفاءة، أما المراكز التركية فهي على سوية عالية لكن حاجز اللغة كان العائق إذ يتوجب التعامل مع طفل التوحد بلغته الأم.

الطفل سعد من مركز “أنا بخير” اسطنبول – (فيسبوك – مركز أنا بخير)

مركز لمعالجة المرض

هذه التحديات دفعت عائلة سعد لافتتاح مركز “أنا بخير” المتخصص، والذي تأسس بجهود فردية، بعد أن تلقى مجموعة من المتطوعين تدريبًا خاصًا مع خبير متخصص عبر الإنترنت لمدة خمسة أشهر.

وشمل التدريب 90 ساعة تعليمية نظرية، ترافقت مع اختبارات وتطبيقات عملية على حالة سعد.

وحول الخدمات التي يقدمها المركز، أوضحت أم سعد “نستقبل الحالات بالمركز على مرحلتين، الأولى مجانية وتستمر لمدة ثلاثة أشهر نقوم فيها بدراسة حالة كل طفل ووضع خطة خاصة به، والعمل وفق تلك الخطة، أما المرحلة الثانية فهي مأجورة ويخضع خلالها الطفل لتقييم كامل بالتعاون مع الأهل للتأكد من تطوره الحركي والمعرفي ويتم إعطاؤه حصصًا تعليمية ضمن برنامج أسبوعي أو ثلاث جلسات في الأسبوع، ولكل طفل معلمة خاصة، ويتم التركيز على تعليمه مهارات التقليد ليتمكن من تدبير شؤونه الخاصة بنفسه”.

وأردفت “يوجد في المركز حاليًا أطفال من عمر 5 سنوات إلى 10 يتلقون التعليم والتأهيل والتدريب، ولدينا قابلية لاستقبال الأعمار من 3 إلى 13 عامًا، ويتكون الفريق من معلمين وخريجي تربية وعلم نفس”.

وتحدثت أم سعد عن منجزات عظيمة قامت بها الأمهات في مجال تطوير مهارات أبنائهن المصابين بالتوحد، إذ إن منهم من استطاع متابعة دراسته والحصول على شهادة التعليم الأساسي في سوريا رغم كل الصعوبات المحيطة، ومنهم من تطوع في الكشافة وأخذ يشارك في نشاطاتهم.

أما سعد فقد أنهى مؤخرًا منهاج اللغة العربية للصف الأول الابتدائي ما عدا مادة الرياضيات، وبدأ بمنهاج الصف الثاني، كما أنه طور مهاراته التعبيرية وصار يتكلم جملًا كاملة يعبر فيها عن نفسه وعن احتياجاته، كما أن لسعد موهبة عالية في الرسم على الحاسوب، يطورها بشكل يومي ويعبر من خلالها عن عالمه وأفكاره وأحاسيسه.

أسباب التوحد

تشير التقارير العلمية إلى وجود عدة عوامل على الأرجح تزيد احتمال إصابة طفل باضطراب طيف التوحد، وتشمل العوامل البيئية والوراثية، وذلك عبر التأثير في نمو الدماغ بوقت مبكر.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، من الصعب تحديد اضطرابات طيف التوحد لدى الطفل قبل بلوغه سن 12 شهرًا، ولكن يمكن تشخيصها بصورة عامة عند بلوغه سن العامين، ومن السمات المميزة لظهور المرض لديه التأخر أو التراجع المؤقت في تطوير مهاراته اللغوية والاجتماعية وتكرار القوالب النمطية في سلوكياته.

أعراض التوحد

الدكتور مضر حبار أوضح لعنب بلدي أنه على الرغم من أن لكل حالة توحد تفردها، إلا أن هناك تفاصيل تتعلق بالمهارات الاجتماعية واللغوية والسلوكية تبدأ بالظهور على الأطفال منها:

– مريض التوحد يحب أن يظل وحيدًا، ولا يفضل الوجود بين الأطفال أو اللعب معهم، ولا يتجاوب مع المحيط.

– يوجد لديه مشاكل في النطق، وقد يفقد القدرة على نطق كلمات أو جمل معينة كان يعرفها في السابق.

– يمكن أن يكون لديه سلوك تكراري مقيد وحركات في الجسم أو أصوات يكررها.

– لا يوجد لديه تواصل بصري.

  • لا يحب الاحتضان ويرفض التواصل الجسدي وينكمش على نفسه.

ماذا عن العلاج؟

الدكتور حبار أشار إلى أنه لا يوجد علاج دائم بل عرضي، ويحتاج مريض التوحد إلى رعاية طوال فترة حياته.

وبالإضافة لعلاج أمراض النطق واللغة، والعلاج التعليمي والتربوي، توجد أنظمة غذائية خاصة تعتمد على منتجات القمح والإكثار من أكل التمر والجوز، بالإضافة لعلاجات دوائية ومتممات غذائية تؤخذ في حالات خاصة كوجود أنشطة عدوانية أو فرط نشاط.

وأكد الدكتور مضر أن أفضل علاج يمكن أن يتلقاه المصاب يكون من خلال مراكز متخصصة، وهي ما يُفتقر وجودها في سوريا، وخاصة في ظل ظروف الحرب.

مراكز علاج التوحد في إدلب

في محافظة إدلب بالشمال السوري يوجد مركزان مختصان بعلاج التوحد في كل من أريحا وحزازين ولكن خدماتهما توقفت حاليًا، وفق ما بيّن الطبيب عماد بيطار لعنب بلدي.

وأوضح بيطار أن الخدمة في إدلب تقتصر حاليًا على العيادات النفسية للحالات التي تكون بحاجة لعلاج دوائي عرضي، مع خدمة التشخيص والتثقيف النفسي للأهل عن المرض، والتعاون معهم بكيفية احتواء الطفل والتعامل معه.

وعن الخدمات في الشمال السوري لفت إلى أن هناك عيادات خاصة لأطباء نفسيين في ريف إدلب الشمالي وسراقب وأطمة، كما تقدم خدمات في مركز الصحة النفسية بسرمدا والعيادات النفسية في مخيم “الكرامة 1″ و”الكرامة 2”.

وأشار الدكتور إلى عدم توفر إحصائيات جديدة عن حالات الإصابة بالتوحد، ولكن وبحسب منظمة الصحة العالمية تتضاعف حالات التوحد في فترات الحروب.

وأوضح أن ظروف الحرب والخوف والتنقل المستمر والنزوح المتكرر، تؤثر بشكل مباشر على مصابي التوحد، فضلًا عن ندرة الخدمات المقدمة لهم، نظرًا لخروج معظم الشرائح التي كانت مهتمة بتقديم هذه الخدمات خارج البلاد.

وأشار الطبيب بيطار إلى أنه منذ العام الماضي وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية يتم التدريب على برنامج “رأب الفجوة” وخدمات الصحة النفسية وبعض الاضطرابات العصبية والإدمان.

ويوجد تقريبًا نحو 50 طبيبًا مدربًا يمارسون خدمات الصحة النفسية وفق منظومة رأب الفجوة، وفي هذه المنظومة يوجد ما له علاقة بما يسمى بالاضطرابات النمائية ومن ضمنها طيف التوحد.

وتركز الخدمات المقدمة على التثقيف النفسي للأهل وتدريبهم على الاعتناء بأطفالهم، ليصبحوا قادرين على تدريب أبنائهم على تلبية احتياجاتهم اليومية حتى يتمكنوا من الاستقلال بأكلهم وبلباسهم ونظافتهم الشخصية.

كما أن هناك خدمات خاصة توجه للمدرسين ومدراء المدارس، في سبيل رفع الوعي بأهمية دمج هؤلاء الأطفال في التعليم العام، والاستمرار في التعليم إلى أقصى مدة تسمح فيها حالاتهم، وأيضًا توعية الأساتذة للتعامل مع الأطفال في الصف، وإعطائهم المزيد من الاهتمام، واستخدام أساليب التعزيز الإيجابي السلوكي.

وركز الطبيب بيطار على أهمية اهتمام الأهل بأنفسهم وليس فقط إيلاء اهتمامهم بأطفالهم المصابين، وألا يكون ذلك الاهتمام على حساب خصوصية ونشاطات وعلاقات الأهل، لأنه مع طول الوقت يمكن أن تنضب الطاقة الموجودة لديهم.

وأكد أيضًأ على أهمية عدم التركيز على الطفل الذي لديه اضطراب وإهمال الأطفال السليمين، الأمر الذي يؤدي إلى تأخر الطفل السليم عن باقي أقرانه لأن الأهل لا يقدمون له الاهتمام الكافي.

مركز لاستقبال حالات التوحد في ريف درعا

وفي درعا جنوبي سوريا تواصلنا مع مركز “التربية الخاصة للإعاقة السمعية والنطقية والذهنية” في قرية معربة بالريف الشرقي للمحافظة.

وأفادنا أحمد الحمصي، مدير المركز، أنه تم استقبال خمس حالات توحد هذا العام تتراوح أعمارهم ما بين خمس إلى عشر سنوات من الذكور والاناث.

ولفت إلى أن المركز يعتمد على تعليم أطفال التوحد عبر نشاطات حركية ورياضية وترفيهية، إلى جانب توفير خدمات الدعم النفسي.

وأشار إلى استجابة الكثير من الحالات للعلاج في ظل تضافر الجهود بين عاملي المركز والأهالي.

ويقدم المركز خدمات لحالات الصم والبكم والإعاقات السمعية والنطقية والذهنية، وقد لوحظ تطور وضع العديد منهم، وبعدها أرسلوا إلى المدارس الحكومية للاندماج مع أقرانهم من الطلاب في نفس الأعمار.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع