الثورة السورية وسؤال ما العمل؟
حذام زهور عدي
لم يكن الأصدقاء في غرفة “سوريون من أجل سوريا” أول من طرح هذا التساؤل ولن يكونوا آخر من يتساءل، فمنذ اندلاع الثورة السورية كان شبابها المنتفض يردده ويوجهه لمن تبقى من السياسيين المخضرمين علّهم يأخذون بيدهم ويسيرون معًا في درب تحقيق ما ثاروا من أجله، لكن أسبابًا موضوعية وذاتية متعددة حالت دون إعطاء أجوبة شافية كافية وبقي السؤال يتأرجح بين أمواج خطط النظام الأسدي وحلفائه وموقف المجتمع الدولي الهزيل، من جانب، وضعف التجربة السياسية للثائرين وعفوية ثورتهم وفوات زمن وعي المخضرمين وقدراتهم، من جانب آخر، واليوم والمأزق شديد، واليأس والإحباط يدفعان الثوار إلى الضياع، وعواء الضباع يملأ الأجواء يعود السؤال أكثر إلحاحًا وأعلى صوتًا يُضمر إما جرأة الإرادة والأمل وإما فحيح الموت والهلاك.
ليس من الإنصاف أن يتم تجاهل الكم الهائل من الاجتهادات التي لا تخلو منها صحيفة تهتم بالشأن السوري في الإجابة على هذا السؤال، ولن يجد المجتهد الجديد أجوبة مختلفة في مضمونها وإن اختلف صوغها، فهناك من اعتقد أن نقد المسار السابق للثورة بتكتيكها العسكري والسياسي وشخوصها، كمراجعة تتيح بداية جديدة، هو الباب الأول الذي على الثوار أن يمروا عبره ليستعيدوا أنفاسهم، وهناك من رأى أن الاعتماد على النفس ماديًا لضمان استقلالية القرار وتوحيده بإيجاد صندوق وطني يكفل تغطية النفقات الضرورية للثوار والثورة هو الشرط الذي لابد منه للإنقاذ، ومنهم من رأى ضرورة العمل أولًا على إعادة الثقة بين الشعب والقيادات الثورية من خلال اتجاهين: الأول الشفافية المالية، والثاني مراعاة التمثيل الواسع للشعب السوري في القيادات أصحاب القرار، وآخرون رأوا أن إعادة النظر في التحالفات الخارجية والداخلية لضمان تأييد فعال مع العلم المسبق بحدود كل من الحلفاء وعدد الخطوات التي يمكن أن يرافقوا الثورة بها، ومنهم من اعتقد أن المشكلة بدأت مع تحول الثورة السلمية إلى مسلحة واعتماد المواجهة كأنداد عسكريين، وأنه لا بد من العودة للشكل السلمي الأول، أما من يرى أن المواجهة العسكرية لا بد منها فيقترح عملًا عسكريًا مختلفًا على طريقة حرب العصابات أو طريقة “اضرب واهرب” كأسلوب الحرب الشعبية لإنهاك الأسد وحلفائه، الذين سيغيرون شروط مساوماتهم عندما يشعرون بالخسائر الجدية المؤثرة، وقد توصل بعضهم في رؤيته إلى أن أشد ما أثر في خسائر الثورة هو الاختراقات الأمنية بها، ولذا اقترح إيجاد جهاز أمني موثوق وشديد السرية يرافق العمل الثوري يستفيد أصحابه من الذين لم يعلنوا انشقاقهم.
ويكاد المفكرون والمنظرون يُجمعون أن ألف باء الإنقاذ هو توحيد الفصائل العسكرية وتنسيق عملها مع الرؤية السياسية الموحدة والقيادة السياسية الموحدة للثورة، بحيث لا تخرج قيد أنملة عن مخططاتها وأهدافها المرحلية والنهائية، على الأقل من خلال برنامج الحد الأدنى الذي لا يتعرض في هذه المرحلة للأمور التفصيلية الخلافية بقدر ما يركز على الأهداف الرئيسة ويترك ما عداها، على طريقة لكل حادث حديث، وفي تفصيل ذلك، يرى بعضهم أن نهتم بالأهداف المرحلية على طريقة سياسة الخطوة خطوة، دون أن يكون ذلك على حساب الأهداف الكبرى التي أعلنتها الثورة.
ما سبق كله آراء من لم يزل حريصًا على الثورة مؤمنًا بحتمية انتصارها مهما طال الزمن، أما من سلّم بالهزيمة واجترح حلولًا لاستسلام مباشر أو غير مباشر فجوابه على السؤال مختلفٌ كليًا، يحتاج لحوار آخر أو ليس بحاجة لحوار.
والمتتبع لأحوال الثورة وما حدث لها أو ما يمكن أن يحدث فإنه يجد أن مجموع الآراء السابقة قد تكون مدخلًا للإجابة على السؤال الكبير “ما العمل”، علمًا أن كلًا منها تطرح أسئلة كيف؟ وما هي الآلية؟ وهل في الوقائع إمكانية؟ وإذا كانت سوريا وثورتها أصبحت مكشوفة كليًا أرضًا وشعبًا ومجتمعًا فكيف يُمكن العمل والبدء من جديد؟
ليس من السهل البدء بتشكيل جديد كليًا لقيادة الثورة يحظى بثقة الناس ويستطيع قيادتهم في هذه الأنفاق الشديدة الالتواء والتعرج والظلمة، فإعادة الثقة بعد فقدانها من الأمور الشديدة الصعوبة لكنها ليست في مجال المستحيلات.
وحتى نقترب من الممكنات، على من يتبرع للقيادة أن يتمتع بالمواصفات الضرورية الآتية:
– بنيته الشخصية، من حيث التنازل عن الرغبات الذاتية والحرص على العمل الجماعي، ومهارة التعامل مع المجموع المحيط به من الخاصة والعامة. مع توفر التصميم والإرادة والإيمان بأهداف الثورة إيمانًا مطلقًا والاستعداد للتضحية والقدرة على فهم الأولويات بأي تحرك قد يقوم به.
– القدرة على فهم معطيات الوقائع والتخطيط المنطلق منها الذي لا يسبب الكوارث للحاضنة الشعبية حتى لا تقع بعدها بمكائد “لم نرَ من الثورة إلا خراب البيوت”.
– الصبر وطول النفس مع العمل الناجح الانتقائي في البدء، فهذا وحده الذي يعيد الثقة بينه وبين الحاضنة الشعبية التي سينهل من نبعها التيار الثوري ويستمر، ولا يظنن أحد أنه فور الإعلان عن الأسماء ستستعاد ثقة الناس بالقيادة الجديدة، فالأمر يحتاج لوقت غير قليل مع الثبات الملموس وتحقيق نوع من النجاحات السياسية أو من المقاومة المدنية، والاهتمام بالإعلام الصادق الدقيق، حتى تبنى الثقة لبنة لبنة.
– ثم لا بد من الصندوق الوطني وقبول التبرعات التي لا تمس استقلالية القرار من قريب أو بعيد، والحرص على الشفافية والمحاسبة الصارمة، وممارسة التقشف والإنفاق الحذر.
– ضرورة تشكيل جهاز أمني قادر على كشف الخروقات إضافة لمهامه المعروفة الأخرى.
لم يعد لدى السوريين الوقت والانتظار الطويل لظهور مثل هذه القيادة، والشعب السوري بميزاته التاريخية البعيدة والقريبة قادر على إنجاب أمثالها، فهل سيطول الانتظار؟ وأفواه الوحوش تحيط بهم من كل حدب وصوب مستعدة للالتهام.
بغير هذا لا يأمل السوريون إلا الفناء، فسفن الرجوع قد أحرقت والاستسلام هلاك، وليس لهم والله إلا الثبات والصبر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :