حماة: ماضي المجزرة، وحاضرُ ثورة استعادة الحقوق

  • 2014/08/08
  • 3:49 م

عنب بلدي ــ العدد 128 ـ الأحد 3/8/2014

إسلام عبد الكريم

منذ أكثر من ثلاثة عقود صبغت جدران مدينة حماة بدماء عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء من أهلها في مجزرة هي الأشهر في تاريخ سوريا، وكذلك هي الأشد مرارة والأشد قسوة من بين الحملات الأمنية التي شهدتها المدينة.

شنَّ النظام السوري آنذاك حملته على المدينة معتمدًا على اتهامات وجهها لتنظيم الإخوان المسلمين، الذي كان متمركزًا في حماة حينها، بتسليح كوادره وارتكاب أعمال عنف في سوريا من بينها قتل عدد من طلاب مدرسة المدفعية في حزيران 1979 في حلب شمالي سوريا، وهو ما كانت جماعة الإخوان قد نفت مسؤوليتها عنه.

بدأت الحملة بقصف أحياء المدينة بالطيران ودكها بالمدفعية، ومن ثم حصارها واجتياحها برًا. وخلال الحملة قامت وحدات الجيش بالتنكيل بالمدنيين من اعتقال وقتل عشوائي واغتصاب وتعذيب، كما هدم ثمان وثمانون مسجدًا وثلاث كنائس؛ وكان الأسد الأب قد سبق وأقرّ قانونًا يقضي بالحكم بالإعدام على كل من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين. وبذلك اضطر قرابة مئة ألف من أبناء المدينة التي دمر ثلث أحيائها بشكل كامل إلى الهجرة عنها، وهم القلة الناجون من المجزرة الذين تمكنوا من الهروب من المدينة، لكنهم سلبوا حقهم في الاعتراف بهم كمواطنين سوريين بعد أن سحبت الجنسية السورية منهم.

وحصلت المجزرة، رغم بشاعتها، في ظل تعتيم إعلامي كبير؛ فالخوف من الملاحقة الأمنية حال دون وصول الإعلام إلى شهادات الناجين وتسليط الضوء على المجزرة باستثناء بعض التسريبات المحدودة؛ وتشير الإحصائيات إلى أن هناك ما يقارب 15 ألفًا من مجهولي المصير جرّاء المجزرة، لم يتم التعرف عليهم ولا العثور عليهم.

عنب بلدي التقت “هدى حامد” المقيمة في العاصمة الأردنية وابنة عائلة سوريّة مهجرة من حماة، لتروي ما حلّ بعائلتها خلال وجرّاء المجزرة.

تقول هدى أنها ابنة واحدة من عدد ليس بقليل من العائلات الحموية المقيمة في عمّان، “محرومون من الهويات ومن الاعتراف بنا بأننا أفراد ومواطنون سوريون”. وأوضحت هدى أن عائلتها لم تنتمِ بشكل مباشر لتنظيم الإخوان المسلمين، ولكن عائلة “حامد” كانت ذات “حس سياسي وشاركت برأيها وإظهار الحق”، لذا تم استهداف أبنائها فكان منهم قرابة ثلاثين شهيدًا منهم من ألقوا في القبور وأحرقوا أحياء، كما تم إعدام عمها لاحقًا بتهمة انتسابه للتنظيم. وأضافت هدى أن ما يزيد عن عشرين شهيدًا من عائلة والدتها، “عدي”، كانوا ضحية المجزرة، وكان من بينهم طلاب جامعة.

لم يكن الاغتراب خيارًا لعائلة هدى، بل كان واقعًا أجبرهم عليه الأسد الأب، أمّا العودة إلى سوريا فكذلك لم تكن خيارًا بل حقًا حرمهم منه الأسد الابن، وبحسب ما تقول هدى فإنه وبعد مرور أعوام على المجزرة فإن أيًا من المتهمين بالانتساب للإخوان المسلمين يعتقل أو يصفى عند عودته إلى سوريا، وبشار الأسد يتبع “سياسية وراثية أخذها عن والده”.

على مدى ثلاثة عقود ونصف انتفضت مدينة حماة ثلاث مرات بوجه طاغيتها، أولاها عام 1970 وعرفت حينها بأحداث جامع السلطان، وبعدها عام 1982 الذي شهدت خلاله المدينة مأساتها التي أودت بحياة عشرات الآلاف من أبنائها على يد حافظ ورفعت الأسد، والأخيرة كانت مع انطلاقة الثورة السورية عام 2011، إذ كانت المدينة من أوائل من انضم لركب الثورة وكانت حاضنًا لها.

حماه، التي تتوسط الأراضي السوريّة ويقدر أبناؤها بـ 750 ألف نسمة، لم تكتف بما قدمته سابقًا ثمنًا للحرية، إذ بلغ عدد شهدائها منذ بدء الثورة السورية إلى اليوم حسب مركز توثيق الانتهاكات في سوريا ما يقارب السبعة آلاف شهيد من أبنائها، ضحّوا بأرواحهم في سبيل استعادة حق أبناء مدينتهم وأبناء سوريا كافة.

مقالات متعلقة

قراء

المزيد من قراء