"هم أدخلوا القاعدة التي أنهتهم"
“أحرار الشام” تنكفئ إلى دور المراقب
طارق أبو زياد – إدلب
عاشت حركة “أحرار الشام الإسلامية” عصر “نهضة” في سنواتها الأولى، إلا أنها شهدت انتكاسات عقب تحجيم دورها على يد “هيئة تحرير الشام” بعد الاقتتال الأخير في تموز الماضي.
وبينما تقول الحركة إنها “ماضية” في عملها السياسي والعسكري، يرى محللون أنها أصبحت في الدور الثاني، وانتقلت من دور الفاعل إلى المراقب.
الناشط كمال أبو المجد، الذي شارك في الحراك السلمي، ثم شغل مناصب قيادية في فصائل معارضة، آخرها قائد كتيبة في “أحرار الشام”، مطلع على تطورات الحركة، منذ تشكيل “كتائب أحرار الشام”، في تشرين الثاني 2011.
في ذلك الوقت كان خطاب الحركة “أكثر تشددًا وعملياتها أكثر فاعلية”، وفق كمال، الذي قال إنها “أول من أدخل الفكر السلفي الجهادي لسوريا في ثورتها”، مشيرًا إلى أن “هذا الأمر فتح الباب للمجموعات الجهادية (القاعدة) في الدول المجاورة، للدخول إلى سوريا وفرض أفكارها ومعتقداتها على الأهالي والثوار بقوة السلاح”.
“نقطة تحول” دفعت الحركة حياة قياديين بسببها
“قادة الحركة شعروا بالخطأ الذي شكل حاجزًا بينهم وبين أهلهم الثائرين في سوريا، وخاصة في تعاطيهم مع الثورة بعد إدخالهم فكر القاعدة المؤدلج”، بحسب كمال، لافتًا إلى أن ذلك “دعاهم إلى إعادة النظر في منهجهم، وهنا تبنوا ميثاق الشرف الثوري، الذي تعمل به كافة التيارات الثورية السياسية والعسكرية”.
نقطة التحول هذه دفع ثمنها قادة الصف الأول حياتهم، في أيلول 2014، بعملية اغتيال جماعية، وهنا انقسمت الحركة إلى قسمين: الأول تبنى فكر السلفية الجهادية الإقصائية، بينما توجه آخر إلى الفكر الإصلاحي المنفتح على الحوار، ليبدأ الصراع الفكري داخل الحركة.
انقسام الحركة أسهم في انشقاق “أصحاب التيار المتشدد”، وفق كمال، ليشكلوا “جيش الأحرار”، بينما “دخل التيار المعتدل في حروب على جبهات داخلية وخارجية، عسكريًا وسياسيًا، لتجد الحركة نفسها بعزلة عن المحيط وخاصة بعد انسحابها من أستانة”.
عمليات الإصلاح الفكري بما يتماشى مع متطلبات الشعب، أزعجت “التيار المتشدد”، ما دعاه إلى شن “حرب فكرية” لتأليب المقاتلين على القادة، وهنا ابتعدت “أحرار الشام” عن القاعدة الجماهيرية من خلال طعنها بالعقيدة المتبعة حينًا، والعمالة لدول خارجية حينًا آخر، لينتهي المطاف بعملية “بغي” كادت أن تنهيها، وفق توصيف كمال.
أسباب السقوط
أثار “السقوط السريع” للحركة تساؤلات كثيرة، وخاصة تراجعها أمام “تحرير الشام”، والتي تقدمت وسيطرت على مناطق استراتيجية في أيام معدودة، وأبرزها معبر “باب الهوى”، الحدودي مع تركيا.
ويرى مختص بالتطوير الإداري وتدريب كوادر في الحركة (رفض كشف اسمه)، أن “عدم قدرة الحركة على اتخاذ القرار، وسلبيتها في التعامل، أفقدتها ثقة الحاضنة الشعبية، التي تعتبر حجر الأساس لأي فصيل ثوري على الأرض، ما أسهم بتراجع الحركة، إضافة إلى انتشار المناطقية بشكل كبير داخل الفصيل”.
ووفق رؤية المدرب، فإن “وجود نسبة الفساد والظلم، التي ليست من سياسة الحركة، كانت سببًا أساسيًا أيضًا في التدهور”، موضحًا “غياب القيادة المركزية التي جعلت لكل قائد لواء سيطرته ونفوذه، وجعلته صاحب القرار في منطقته”.
وطرح مثالًا “تضم أحرار الشام قرابة ألفي مقاتل من مدينة حماة، إلا أنهم موزعون على ثلاثة أقسام فيها، بينما تشهد تلك الأقسام صراعات وبيانات شجب”، متسائلًا “هذا بعض ما يجري فكيف إذا قسنا الأمر بشكل أوسع؟”.
ولأن أغلب الأسباب السابقة تعتبر منتشرة في معظم الفصائل داخل سوريا، حتى في “تحرير الشام” المنافس الأول للحركة، بحثت عنب بلدي عن أسباب “سقوط” “أحرار الشام” لدى مصادر أخرى.
انسحاب سريع من “باب الهوى“
عبيدة خويلد مقاتل سابق في حركة “حزم”، التي أنهتها “جبهة النصرة” سابقًا، اعتبر أن أهم انتكاس للحركة “تخليها عن كافة الفصائل التي قاتلتها وأنهتها النصرة طيلة السنوات السابقة”، مشيرًا إلى أن “موقف الأحرار محايد دائمًا، وفي أحسن الأحوال كانت تدعو للصلح، ما أضعف الثقة بها”.
يتحدث محمد أبو الحسن، المقاتل في القوة المركزية للحركة، عن معارك طردها من “باب الهوى”، معتبرًا أن “السبب الرئيسي الذي دعا للتخلي عن المعبر هو تورع مقاتلي الحركة عن قتال تحرير الشام”.
اعتزلت كثير من القطاعات في “أحرار الشام” القتال، وهذا ما جرى فعلًا في جبل الزاوية ومدينة إدلب وريفيها الشرقي والغربي، إضافة إلى ريف حماة، ويرى محمد أن “كل مقاتل في أحرار الشام تعلم درسًا، وهو أن الهيئة فصيل باغ يقاتل لأهداف دنيوية”.
في نهاية المطاف خسرت “أحرار الشام” معركتها، بعد أن كانت تضم قرابة 35 ألف مقاتل على كافة الأراضي السورية، إلا أن الواقع اليوم يظهر أن سيطرتها اقتصرت على منطقة سعل الغاب، غربي حماة، وجبل الزاوية وأريحا إضافة إلى ريف اللاذقية وريف حلب الغربي، دون أي نفوذ، بينما لم يتأثر انتشار مقاتليها في بقية المناطق “المحررة”.
وكثر الحديث عن الأسباب التي أدت للاقتتال بين الطرفين، وتقول “تحرير الشام” إنها قاتلت الحركة لأنها كانت تجهز لمعركة ضدها، بينما قالت مصادر أخرى إن “تحرير الشام” جهزت نفسها “لأشهر طويلة” قبل قتال الحركة، لفرض سيطرتها على محافظة إدلب، كون الحركة هي الفصيل المنافس الأكبر، وبإنهائه لن يفكر أي فصيل في الوقوف بوجه الهيئة.
ما يستغربه كثيرون هو تسهيل “تحرير الشام” دخول الجيش التركي مؤخرًا إلى إدلب، في إطار اتفاق “تخفيف التوتر”، بعدما كان الاتفاق ذريعة لإنهاء الحركة، وسط اتهامات للفصائل بالعمالة للغرب بسبب حضورهم محادثات أستانة التي نتج عنه الاتفاق، ما يعزز فرضية أن الاقتتال كان لبسط النفوذ وليس بسبب تجاوزات “الأحرار”.
“أحرار الشام” في نظر أمرائها وقادتها
تحدثت عنب بلدي مع محمد عبدول، نائب أمير قاطع ريف حلب الغربي في الحركة، وقال إن “أحرار الشام” تمتلك “ثاني أكبر عدد نقاط رباط على جبهات ريف حلب الشمالي، بمجمل ألفي مقاتل في المنطقة”، قبل اندماجها حديثًا في صفوف “الجبهة الشامية”، لتشكيل “الجيش الوطني”، في مناطق “درع الفرات”.
وقال عمر خطاب، الناطق العسكري في الحركة، إن “أحرار الشام فكر والفكر لا يموت”، مؤكدًا أنها “مازالت جزءًا من الثورة السورية، وستبقى كذلك حتى تحقيق أهدافها”.
ووفق خطاب فإن “حلم النظام وحلفائه مرارًا بالقضاء على أحد أهم ركائز الثورة لن يتحقق”، معتبرًا أن “هناك مراحل في عمر الثورة تفرض علينا أن نعمل بشيء من الصمت كي نصل إلى ما خرجنا لأجله”.
“تدافع الحركة عن الثورة من خلال نقاط تمركزها ضد النظام في جبال الساحل وريف حماة وريف حمص والغوطة ودرعا وريف حلب الشمالي”، بحسب الناطق العسكري، معتبرًا أن ذلك “يدلل على أنها تمرض ولا تموت فلا يثنيها بغي ولا يفل عزيمتها كلام الحاقدين”.
بغض النظر عن الأعداد التي تضمها الحركة، إلا أن المرحلة “حرجة في تاريخ وعمر الثورة، فأحرار الشام لا تتقوقع ضمن قالب جامد بل تحاكي الواقع وتعمل على ضوء المستجدات”، وفق خطاب.
أثرت المعارك الأخيرة ضد “الهيئة” على الحركة، واقع اعترف به الناطق العسكري، مؤكدًا أنها “لن توقف المسيرة وما جرى لن يؤثر على التاريخ الذي كتب بمداد من دماء عشرة آلاف شهيد”.
لم يوضح خطاب ما يجري في أروقة الحركة، إلا أن مصدرًا مطلعًا من داخلها قال لعنب بلدي إنها أعادت هيكلة كامل الفصيل “من أكبر الأفراد إلى أصغرهم، كما بدأت بمحاسبة وفصل المفسدين وتفعيل الرقابة بشكل مطلق مع كافة الصلاحيات”.
وأشار إلى أن “الأعداد أكثر من عشرة آلاف كما يشاع، والحركة تعمل على إعادة تدريب وتأهيل مكوناتها، لتهيئتهم كنواة حقيقية تليق بفصيل جامع للثورة وأبنائها”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :