براء الطه
ماتزال الأنظار مشدودة حاليًا إلى مدينة البوكمال في الشرق، آخر معاقل تنظيم الدولة في سوريا، حيث خط النار والمعركة التي من المتوقع أن يعلن بعدها انتهاء الحرب في سوريا بشكلها الهمجي، لتأخذ شكلًا آخر أقل عنفًا ودموية، وأكثر حدة.
تشكل مدينة البوكمال، خصوصًا، والحدود السورية العراقية الممتدة من شمال قاعدة التنف إلى منطقة البوكمال، عقدة ربط حيوية بالنسبة للنظام السوري وحلفائه وخاصة إيران، والتي لو تم السيطرة عليها سيتحقق لها الربط الجغرافي مع البحر المتوسط، والذي من شأنه تغيير قواعد اللعبة على مستوى المنطقة ككل.
وربما كان هذا أحد الأسباب الذي جعل الإدارات الروسية والعراقية والإيرنية والسورية تعمل بشكل مستمر خلال الأشهر الأخيرة في غرفة عمليات مشتركة على الحدود السورية العراقية، تنسيقًا لهذه العملية المهمة، التي ستشكل أحد المفاصل الأساسية في الحرب السورية.
كان ذلك واضحًا من خلال التصريحات والأفعال لأطراف الصراع في سوريا، والتي تمثلت بـ:
التنسيق العالي بين الساحتين السورية والعراقية، والذي ظهر بالتزامن مع تقدم قوات النظام وحلفائه شرق محطة T2، والتحرك العسكري العراقي للسيطرة على القائم، كما أن طلعات الطيران الاستراتيجي الروسي وصواريخ كليبر التي استهدفت مواقع للتنظيم قرب البوكمال كانت مكثفة أكثر منها في المعارك التي سبقتها في مدينتي دير الزور والميادين.
وهنا برزت تصريحات المتحدث باسم كتائب حزب الله العراقي، جعفر الحسيني، أن “قوات المقاومة العراقية ستشارك في معركة ضد التنظيم في البوكمال السورية”، وأكد أن “البوكمال تحت مرمى صواريخ القوات العراقية في مدينة القائم ووجود قواتنا على حدود البوكمال سيكون محورًا جديد في مواجهة داعش”.
ما لم يصرح به الحسيني، أن هناك تحضيرات لوجستية لتكون هذه النقطة مركز تواصل حيوي مع العراق، وخاصة بين فصائل الحشد الشعبي العراقي والفصائل السورية التي تقاتل إلى جانب قوات النظام السوري.
أهمية المنطقة الحدودية جعلتها خط النهاية لسباق محموم بين قوات النظام وحلفائه، ومن خلفهم روسيا، وقوات سوريا الديمقراطية، ومن خلفها الولايات المتحدة الامريكية، وهذا ما بدا جليًا في كلام الناطق باسم التحالف أن “واشنطن طلبت من الجيش الحر الانخراط في معركة السيطرة على البوكمال”.
وأيضًا إعلانه أن قوات التحالف تعد هجومًا على مدينة البوكمال، بمحافظة دير الزور في سوريا، التي يوجد فيها أغلب قادة تنظيم داعش، وأكد ديلون أن البوكمال هدف –بالتأكيد- للتحالف.
وتأتي الرغبة الأمريكية بالسيطرة على البوكمال بغية عزل إيران في سوريا ومنعها من السيطرة على البوكمال، كونها، كما أسلفنا، تعد أهم عقدة ربط برية بين سوريا والعراق.
لكن ربما عدم وجود شركاء محليين يمكن الاعتماد عليهم والثقة بهم جعل قوات سوريا الديمقراطية تحجم عن التقدم وتخرج من هذا السباق، تاركة المدينة والمنفذ الحدودي لقوات النظام .
وسط كلام كثير يتم تداوله عن صفقة تعقد في الكواليس بين القوات الكردية والإدارة الذاتية وبين النظام، عبر تفاهمات سياسية يديرها اللواء علي مملوك، تتضمن إعطاء الإدارة الذاتية الكردية صلاحيات واسعة في الحكم الذاتي في مناطق الكرد، مقابل التنازل عن المناطق ذات الأغلبية العربية لصالح قوات النظام، يبقى احتمال السيطرة على منطقة البوكمال مفتوحًا، رغم الإصرار الروسي الإيراني على السيطرة عليها، والذي يقابله هدوء أمريكي واضح في ملف دير الزور بشكل عام، والبوكمال بشكل خاص.
وما حدث خلال الأيام الأخيرة من شد وجذب بشأن سيطرة النظام وحلفائه على المدينة والتهنئة الروسية ثم استرداد تنظيم الدولة لقسم كبير من المدينة، ما هو إلا جزئية بسيطة، محدودة في الزمان والمكان، من صورة كلية برزت بشكل واضح في الصور التي بثتها ما تعرف بغرفة الإعلام الحربي، التابعة لحزب الله اللبناني، والتي كانت مدروسة بعناية شديدة، وهي صورة العلم السوري بنجمتيه الخضراوين وألوانه الثلاثة، الأسود والأبيض والأحمر، محاطًا بأعلام الحلفاء من الفصائل الشيعية في العراق ولبنان، وخلفهم المعبر الحدودي، في رسالة واضحة إلى تحقيق التواصل الجغرافي بين الدول الثلاث العراق وسوريا ولبنان، وهذا ما سيكون ذا تأثير كبير على مجمل المعارك المقبلة في المنطقة، فسيطرة النظام على البوكمال ستجعله يرنو ببصره إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وخاصة الرقة وريف دير الزور .
وأخيرًا فإن زوال التنظيم في سوريا من شأنه زوال الحاجة للتنسيق والتهدئة بين مختلف أطراف وأدوات الصراع في سوريا، والتي كانت تعيش في حالة من المساكنة والتهدئة المؤقتة، نظرًا لوجود عدو مشترك سيشكل زواله عودة إلى الصراع المباشر بين تلك الأدوات.