د. أكرم خولاني
تعد مشكلة سلس البراز إحدى المشاكل الصحية التي يقل الحديث عنها رغم أنها قد تصيب الصغار والكبار، وقد تكون أكثر انتشارًا مما يمكن تقديره، إذ يميل جزء كبير من المرضى لعدم التحدث عن الأمر.
وبغض النظر عن سبب هذه المشكلة فإن سلس البراز أمر محرج ولا شك بوجود مشاكل اجتماعية في الأمر، لكن من المهم أن نشدد أن هناك عدة إمكانيات للعلاج، ويجب عدم الخجل والتوجه للطبيب لعلاج المشكلة.
ما المقصود بسلس البراز
هو عدم القدرة على التحكم بالتغوط أو التبرز، مما يؤدي إلى تسريب غير إرادي للبراز من الفتحة الشرجية إلى خارج الجسم، في سن أكبر من أربع سنوات.
تنتشر هذه الحالة عند الأطفال، ويعاني 7% من البالغين منها، وترتفع نسبة الحدوث مع التقدم بالسن لتصل إلى أعلى معدلات انتشارها عند الكهول، وهي تنتشر بين النساء أكثر من الرجال لضعف عضلات الحوض عندهن، كما أن خطر الإصابة يزداد في حالات انخفاض القدرات الذهنية أو عند الإصابة بأمراض معينة كهبوط الشرج.
كيف يتظاهر السلس؟
تختلف درجة سلس البراز من شخص لآخر، وتتراوح ما بين تسرب كمية قليلة لفترات متباعدة وحتى تسرب كمية كبيرة من البراز بوتيرة عالية، والكثير من الأشخاص يصيبهم التسريب أثناء نوبة عرضية من الإسهال، وهذا ما يسمى سلس البراز الإسهالي، وعادة ما يكون مؤقتًا، أما الحالات المزمنة فلها عدة أنواع:
- قد يكون التسريب البرازي عند إخراج الغازات، وهو ما يعرف بسلس الغازات.
- بعض الأشخاص يشعرون بحاجة ملحة للتبرز لكنهم لا يصلون إلى المرحاض في الوقت المناسب، وهذا ما يدعى سلس البراز الإلحاحي.
- بينما لا يشعر آخرون بأي إحساس قبل تسرب البراز، وهذا ما يدعى سلس البراز اللاشعوري.
ما أسباب سلس البراز؟
الإصابة بالإمساك المزمن:
يؤدي الإمساك لتراكم البراز في القولون والمستقيم، ما يسبب ضغطًا على عضلات المستقيم والشرج وفي نهاية الأمر يسبب ضعفًا للعضلات، ما قد يؤدي لسلس البراز.
الاستخدام المفرط للملينات:
سوء استخدام الملينات أو الاستخدام المفرط لها قد يؤدي إلى عدم التحكم في إخراج البراز والإصابة بالسلس البرازي.
تأذي عضلات المصرة الشرجية:
قد تتأذى كتلة العضلات المشكلة للمصرة الشرجية المسؤولة عن فتح وإغلاق فتحة الشرج نتيجة الإصابات أو أثناء الولادة، وهذا قد يفقد السيطرة على خروج البراز.
تأذي الأعصاب المعصبة لعضلات المستقيم والشرج:
في حال وجود ضرر لهذه الأعصاب فإن قدرة العضلات على التقلص قد تضعف، ما يؤدي لسلس البراز، وتوجد أسباب عديدة تؤدي لضرر الأعصاب كالداء السكري، والعمليات الجراحية، والتصلب المتعدد، والولادة، والإصابات، والإصابات الدماغية، وإصابات النخاع الشوكي.
اضطرابات المستقيم:
كتضيق المستقيم أو تصلبه نتيجة العلاج الشعاعي أو أدواء الأمعاء الالتهابية (داء كرون والتهاب القولون القرحي) أو غير ذلك، حيث يفقد المستقيم قدرته على التوسع عند وصول البراز إليه ما يؤدي إلى إخراج البراز، كذلك توجد أجزاء من المستقيم يمكنها التمييز بين الغازات والمواد البرازية في المستقيم قبل خروجها، فعند حدوث اضطراب في هذه الأجزاء يحدث خطأ بالتمييز ويتسرب البراز مع الغازات، كما أن هبوط المستقيم (انخفاض المستقيم إلى الأسفل وبروزه من خلال فتحة الشرج) يؤدي للإصابة بمشكلة سلس البراز، والقيلة المستقيمة عند النساء (وهي الحالة التي قد يبرز فيها الجزء الأمامي من المستقيم من خلال جدار المهبل) عادة قد يصاحبها سلس في البول أو البراز.
مضاعفات العمليات الجراحية:
جميع العمليات الجراحية في منطقة المستقيم والشرج، كعمليات البواسير والشقوق الشرجية، قد تؤدي لسلس البراز إثر ضرر تسببه للعضلات أو الأعصاب في الحوض، ويحدث تسرب البراز خاصة عند السعال أو العطاس أو الحزقة أو حمل شيء ثقيل.
التشوهات الخلقية الشرجية:
كوجود فتحة الشرج في الأمام مثلًا.
بعض الأمراض النفسية والخرف.
كيف يتم تشخيص السبب؟
يتم التشخيص من خلال أخذ قصة مرضية دقيقة والربط بين بدء المشكلة وأي حادثة مميزة في حياة المريض، ثم الفحص السريري الذي يشمل:
- الفحص المرئي لفتحة الشرج ومنطقة العجان (المنطقة بين فتحة الشرج والأعضاء التناسلية) لنفي وجود بواسير أو التهاب أو أي مشكلة ظاهرة.
- فحص الجلد عن طريق الجس بإبرة، فبمجرد لمس هذه المنطقة يحدث انقباض لعضلة المصرة الشرجية في الحالات الطبيعية، وهذا ينفي وجود أي ضمور في الأعصاب.
- المس الشرجي، حيث يقوم الطبيب بوضع مزلق على إصبعه ثم إدخالها داخل المستقيم لاختبار قوة عضلة مصرة الشرج ولنفي وجود أي خلل في منطقة الشرج والمستقيم.
- وهناك فحص يمكن لكل مريض القيام به بنفسه، وهو إدخال حقنة شرجية بكمية 100 مل، فإذا استطاع إبقاء هذه الكمية داخله لمدة 10-15 دقيقة فهذا يدل على وجود حصر مقبول لآلية المصرة الشرجية.
ولكن الإجراءات السابقة تبقى غير دقيقة وغير كافية لتشخيص السبب في بعض الحالات، وعندها يلجأ الطبيب إلى إجراء فحوص إضافية، كقياس ضغط القناة الشرجية، وتنظير المستقيم، وتصوير الإيكو للشرج والمستقيم من داخل المستقيم، والتصوير الظليل للقولون والمستقيم، والتخطيط الكهربائي لعضلات الشرج، والتصوير بالرنين المغناطيسي لمنطقة الشرج والمستقيم.
كيف يمكن علاج السلس البرازي؟
يتعلق العلاج بعلاج العامل المسبب، وفي كل الأحوال يوصى المريض باتباع المعالجات المحافظة:
- اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن غني بالألياف والعناصر التي تنظم عمل الجهاز الهضمي وتمنع الإصابة باضطراباته مثل الإمساك أو الإسهال.
- علاج الإمساك بواسطة أدوية مسهلة كالتحاميل والشرابات والحقن الشرجية.
- التدريب على التحكم بالمصرة الشرجية من خلال تحديد أوقات ثابتة للتغوط بمساعدة التحاميل أو الحقن الشرجية بحيث يبقى المستقيم فارغًا.
- تعلم المريض تقليص الفتحة الشرجية عبر الارتجاع البيولوجي (Biofeedback)، ويتم تنفيذ هذه الطريقة عبر إدخال أنبوب في فتحة الشرج بهدف قياس الضغط وقت الراحة وعند الانقباض، تظهر هذه النتائج على شاشة بدرجات مختلفة، يرى المريض قوة الضغوط وبإمكانه تحسينها بواسطة تشغيل العضلات عند النظر إلى الشاشة، وتهدف هذه العملية لتقوية عضلات الحوض والشرج.
حالات تتطلب اللجوء إلى العلاج الجراحي
- وجود تشوه خلقي في الشرج.
- وجود عيب في حجم القولون أو المستقيم.
- وجود خلل في الأعصاب.
- وجود خلل في العضلات.
وتشمل العمليات الجراحية الممكنة:
- علاج البواسير.
- علاج هبوط الشرج.
- ترقيع مكان الضرر في عضلة المصرة الشرجية (رأب المصرة).
- إصلاح عضلة المصرة الشرجية (تؤخذ عضلة من الفخذ وتزرع حول المصرة).
- استبدال المصرة (زرع مصرة اصطناعية يتم التحكم بها آليًا أو يدويًا).
- فغر القولون Colostomy (تحويل مسار البراز ليخرج عبر فتحة بجدار البطن إلى كيس بلاستيكي دون المرور بفتحة الشرج).