خطيب بدلة
نحن السوريين، أو الذين كنا سوريين، أو الذين كنا نعتقد في يوم من الأيام أننا سوريون، يجب علينا أن ننتبه لأنفسنا، ونعيد حساباتنا، ونتأكد من أن مواطنيتنا ماتزال سارية المفعول.. لئلا يزعل منا المواطن السوري الشَّريف، الظريف، العفيف، نزار علي السكيف (القافية هنا غير مقصودة) الذي يشغل ثلاثة مناصب سورية دفعة واحدة، فهو نقيب المحامين السوريين، وعضو مجلس الشعب السوري، ورئيس لجنة حقوق الإنسان والحريات في مجلس الشعب السوري.
هذا المواطن المُطعَّم على كاباتشينو (ثلاثة مناصب في واحد) قال لصحيفة “الوطن” التي يمتلكها المواطن السوري الحباب رامي مخلوف، يوم الأحد 5 تشرين الثاني 2017، إن اللجنة التي يرأسها تعدّ مذكرة لعرضها تحت قبة المجلس توضح خطورة تجنيس اللاجئين السوريين في تركيا. (المصدر: عنب بلدي).
يحمل هذا الخبر في طياته ما فتح الله ورزق من الأفكار، والقيم، والدلالات، فمجلس الشعب الذي يتحدث السكيف” تحت قبته” له تاريخ طويل يعود إلى مطلع سبعينيات القرن العشرين، في مجال الاستقلالية، والاعتداد بالرأي، والتنوع.. وعضويته لا يحظى بها غير طويل العمر من الناس الأكفاء المحترمين ذوي الشهادات العلمية العالية والخبرات الطويلة، وكم من مرة حاول حزب البعث وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية تمرير أشخاص إمّعات رويبضات لا يفرقون بين الخمسة والطمسة لعضويته، فكانوا يصطدمون بنظامه الانتخابي الصارم، المتشدد، المصر على أن يكون” اسمًا على مسمى” أي: من الشعب، وللشعب.
تاريخ هذا المجلس، يا سادتي، حافلٌ بالوقوف ضد الخطأ، حتى ولو كان الخطأُ صادرًا عن رئيس الجمهورية نفسه، ولعلكم تذكرون كيف أن أعضاءه كانوا يقاطعون حافظ الأسد، وابنه من بعده، وهو يخطب، غير خائفين ولا هيّابين.. لا يكتفون بالمقاطعات الفردية هنا وهناك، بل إن التيارات السياسية الشعبية التي لها تمثيل قوي في المجلس تحوّل الأفكار المناهضة لأفكار الرئيس إلى أهازيج وعديات تترافق مع التصفيق والهتاف، وأحيانًا يترك أعضاء المجلس الرئيس، بجلالة قدره، واقفًا في حالة الانتظار، بينما هم يتبادلون أبياتًا من الشعر، حتى ليلتبس الأمر على المشاهد، فلا يتذكر إن كان يتفرج على جلسة لمجلس شعب يستمع إلى رئيس البلاد، أم لموقف شعري تاريخي في سوق عكاظ.
يزعم المنتقدون للسلطة السورية أن أعضاء مجلس الشعب السوري (كلهم) موالون لهذه السلطة، ويستدلون على ذلك بموقف حصل عند باب المجلس يوم 30 آذار 2011، حينما جاء بشار الأسد إلى المجلس، فاستقبله عضو مجلس الشعب المرحوم صباح عبيد، مع مجموعة من الأعضاء الذين يمتلكون حسًا فنيًا عاليًا، بالدبكة، وأوضح له أحد الأعضاء أن قيادة الوطن العربي قليلة عليه، وأنه يجب أن يقود العالم..
إن منتقدي المجلس لم يفهموا المغزى التاريخي لهاتيك التصرفات، إذ لم يكن القصد منها مديح بشار الأسد، وإنما لوضعه أمام مسؤولياته في الحفاظ على “الشعب” الذي يمثلونه. ولكن تبين أنه رئيس تافه، فماذا يفعلون؟