أيها السوري.. انتبه لقلبك!
إبراهيم العلوش
كل يوم نقرأ خبر وفاة أم، أو أب، أو أخ، أو صديق، أو صديقة، أو ابن، أو ابنة. كل يوم تنفطر قلوب سوريين، ويرحلون عن هذا العالم قبل أن يكحلوا عيونهم برايات الحرية المنتصرة.
كل يوم نشاهد صورة معتقلين ثبت استشهادهم، كل يوم تغوص أخبار المخطوفين وتتلاشى لتقتل الأمهات، والزوجات، والأبناء، والبنات المنتظرات عودة مخطوفيهم الذين حصدتهم الحواجز الأسدية أو الداعشية، أو الإيرانية أو الروسية.
كل يوم علينا أن نحزن للذين ضحوا بحياتهم، وببيوتهم، وباستقرارهم من أجل حلم التخلص من عبودية المخابرات الجوية والعسكرية، ومختلف الأنواع السامة للأفرع والمفارز والحواجز التي تستسهل القتل.
أيها السوري رغم ذلك يجب أن تنتبه لقلبك، قلبك الذي كان مليئًا بالحب وبالتوق إلى الحرية، يجب أن تحفظه من الانفطار والتلاشي، وألا تفجعنا برحيلك، فوجودك مهم في هذا العالم الذي يفتقد إلى الحلم، وإلى الكرامة التي ضحيت من أجلها.
أيتها الأم السورية احفظي قلبك، وأنت تنتظرين ابنك، أو زوجك المعتقل، أو ابنتك المعتقلة، يجب أن تنظري بعيدًا إلى السماء لعلّ قلبك يتلهى قليلًا، ويؤجل دقاته الأخيرة ريثما تكحلين عينيك بعودة الغائبين.
أيها السوري الغارق في ظلام الكهرباء المقطوعة منذ دهر، وتلفه رائحة دورة المياه بسبب انقطاع المياه الطويل، لا تجزع عندما يدق الباب فجأة وبطرقات عنيفة، تمهل قليلاّ وأنت تتجه إلى الباب، ارسم ابتسامة تزيّن وجودك أمام أطفالك الخائفين، فأمراء الحرب، وأزلامهم يفتقرون إلى الهدوء، ويخشون الثقة بالنفس، وأنت ليس لك إلا قلبك الذي تقنعه بأن يظل هادئًا ولو للحظة واحدة.
أيها السوري الذي غادر منزله وترك أغراضه وأسراره الشخصية، في دوامة المجهول، ورحل غريبًا، ووحيدًا، بين المدن الغريبة والبعيدة. لا تلتفت خلفك، ولا تتخيل الشبيحة أو الدواعش، وهم يبيعون أغراض بيتك، حاول أن تجبر العالم على قبولك وقبول حقوقك المشروعة، وقبول حلمك الذي يقارب المستحيل، حاول أن تعيد قلبك إلى جادة الهدوء البعيدة، حاول أن تحتفظ به بعيدًا عن هذا العبث والتشويش والضياع… حاول أن تجعله هادئا في صدرك المعذّب.
أيها السوري الذي يتفقد زوجته وأطفاله عن بعد، فالحدود، والجنود، والقوانين الظالمة، تمنعه من لم شمل عائلته وأهله. حاول أيها السوري أن تمنع قلبك من التشظي والضياع فالأحبة لابد لهم أخيرًا من الاجتماع، ولو طال الوقت والفراق.
أيها السوري المتجه نحو أحد الحواجز تنفس بعمق، وأرح قلبك لوهلة، قبل أن تعبر جدار الجحيم الذي ينتظرك، لا تسمح لقلبك أن يسقط قبل الحاجز، ولا بعده، واعطف عليه وهو يدق بثقة وثبات، وأنت تعود الى منزلك، وإلى أهلك المنتظرين عودتك سالمًا.
أيها السوري الذي يبكي وهو يرى الناس في المقابر يزورون أضرحة موتاهم، ويحسدهم على يقينهم بوفاة أحبتهم، بينما ابنه المخطوف مايزال خبرًا هائمًا يطول ويقصر، يضيء ويظلم، يبعث على الأمل أو يكرّس اليأس. انتظر قليلًا وانتبه إلى قلبك، فأحبتك الذين حولك مايزالون يشاركونك حزنك، فلا تجعل قلبك ينتزعك منهم، فهم أيضًا يشاركونك الحلم بعودة ابنك المخطوف أو ابنتك المخطوفة.
أيها السوري الذي يهزه الإفلاس، وطلة صاحب البيت وهو يطلب الأجرة في آخر الشهر، لا تستسلم للقلق، ولا لرجفان القلب، فالفرج قريب، والبسطة التي فرشتها في الشارع ستلهيك عن الاستجابة لليأس، والعدة التي تحتويها علبة أغراضك صارت تسليتك، ووسيلتك لانتزاع القرش، بتصليحة، أو بتركيب جهاز جديد لأحد الجيران أو سكان الحي، لا تدع قلبك يتموج بدقاته، ولا تسمح له بالتملص من صدرك، أو التوقف عن مهمته في دق نبضات الأمل.
أيها السوري الذي ينتظر أوراقه المستعصية، وتنهال عليه طلبات الموظفين اللامبالية به ولا بوضعه، تمسّك بالصبر، فلا بد من نهاية لتخبطهم الذي لن ينفع اضطراب دقات قلبك في حلّه، سوف تنفتح نافذة الأمل، وتحصل على التواقيع، أو على الهوية المؤقتة، أو سوف تعبر المطار إلى مطار آخر بقلب أكثر صبرًا وأكثر استقرارًا أمام العقبات.
أيها السوري لا تجعل قلبك يهتز للّغات الغريبة، ولا للتعابير التي تتناولك بغضب، أو بتجاهل، اجعل قلبك ينصت للأصوات الرحيمة، وللكلمات المحبوبة، فالعالم يتوق أيضًا مثلك للحرية، وللكرامة، وهو لن يستسلم نهائيًا للعنصريين ولا للمتكبرين الذين يحاولون تحطيم قلبك.
أيها السوري الذي تاق قلبه للحرية وللانعتاق، انتبه جيدًا لدقات قلبك، فأرض الاستبداد العربية لم تدق فيها طبول الحرية منذ زمن طويل.. ربما منذ ألف عام، منذ انهيار الدولة العباسية التي كانت إحدى أكبر الإمبراطوريات التي أسهمت بصناعة الحضارة.
أيها السوريون جميعًا.. تعالوا نحرس قلوبنا ونمنعها من الضياع، ومن الخفقان المجنون، تعالوا نحرس قلوبنا من أجل الحلم القادم، ومن أجل أبنائنا الذين ينتظرون المحطة القادمة للاستراحة، تعالوا نمنع العالم من متابعة القضاء علينا وإخراجنا من الساحة، تعالوا نداري قلوبنا ريثما نعبر هذه المحنة الكبيرة، علنا نصل إلى الضفة الأخرى البعيدة عن الاستبداد، علّنا نصنع لأبنائنا مستقبلًا يوقف هذا التردي الذي حلّ ببلادنا منذ ألف عام، وربما منذ أكثر من ألف عام.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :