أبناء الريف الدمشقي يحضرون لما تبقى من عيدهم
مع اقتراب عيد هو السابع منذ انطلاقة الثورة تتلاشى الدعوات التي تعالت في الأعياد السابقة “بالإضراب” و”الإعراض” عن الاحتفال وإقامة مظاهر العيد، إذ ينشغل معظم أبناء الريف الدمشقي بتأمين ضروريات معيشتهم بعد أن طال عليهم ضيق الحال وتراكمت على كاهلهم صعوبات النزوح وغلاء الأسعار والبطالة والتضييق الأمني.
وإذ تعج الأسواق الشعبية في مدينة التل، التي باتت من المناطق القليلة “الآمنة” في الريف الدمشقي، بالعشرات من أبنائها وضيوفها المهجرين، وتستمر الحركة فيها إلى ما بعد منتصف الليل، فإن هذا الزحام “على الفاضي” حسب وصف أبو مالك، صاحب أحد محال الملابس. ويقول أبو مالك، الذي بات عصبيًا في تعامله مع الزبائن، “الناس ما بدها تشتري، عم تتفرج وتمشي”.
ويشاركه عدد من الباعة انزعاجه من تراجع الحركة الشرائية، ويضيف آخر أن “الزبائن يلوموننا على ارتفاع الأسعار، ولا ذنب لنا في ذلك”، ويردف إن الإقبال الأوسع هو على البسطات الشعبية و “البالة”.
أما المشترون فكان تبريرهم أنهم يبحثون عن الأنسب بالسعر الأرخص، ولم تعد ثياب العيد “من البابوج للطربوش” فبالنسبة لأم عمر فإن عليها مداراة المبلغ المحدود المتوفر معها لتأمين الضروري من الثياب لأطفالها وتوفير القليل لعيديتهم إضافة للمصاريف الأخرى الدورية. ويوضح مشتر آخر أن الأولوية هي “دفع أجار السقف الذي يؤوينا”.
ركود مشابه تشهده أسواق الحلويات، فلا يبدو أن موسم العيد سيكون أفضل بكثير من موسم رمضان، الذي شهد تراجعًا شرائيًا ملحوظًا؛ إذ ستقتصر الضيافة لدى كثيرين على التمر والقهوة المرة، فيما تصنع عائلات أخرى الحلويات منزليًا، فبحسب السيدة أم إبراهيم إن توفر الطحين والتمر وبعض المواد الأولية اللازمة لصنع الحلويات من خلال المعونات الشهرية المقدمة من الجهات الإغاثية مكّنها من صنع الحلويات بتكلفة أقل بكثير من ثمنها في السوق. أما الباعة فقد لجأ معظمهم إلى عرض نوعين من الحلويات، يتفاوتان بالجودة من حيث نوعية المواد المستخدمة في التصنيع ونسبة المكسرات؛ وبالتالي يتفاوتان بالسعر وذلك سعيًا لجلب المزيد من الزبائن.
أما في زاكية، حيث يعيش المهجرون أوضاعًا معيشية أقسى، تغيب تمامًا المظاهر الاجتماعية والشرائية؛ وبحسب جولة عنب بلدي فإن الإقبال على التسوق لا يتناسب أبدًا مع أعداد ساكنيها، وتغيب معظم المظاهر الأخرى المرتبطة بالعيد نتيجة تشارك العائلات الإقامة في المدراس أو في بيوت غير مجهزة للسكن. ويوضح أحد المقيمين هناك أن الوضع المادي “التعبان” هو السبب الرئيسي لغياب مظاهر العيد، ويضيف أن ساحة العيد تغيب تمامًا وتقتصر ألعاب الأطفال على بضع مراجيح تتوزع في المنطقة.
وفي منطقتي الهامة وقدسيا يبدو الوضع أفضل قليلًا، وحركة السوق جيدة لكنها أيضًا لا تتناسب مع أعداد السكان، فالإقبال على شراء الملابس ضعيف جدًا، ويتوجه معظم الأهالي لشراء الخضار والفواكه، إلا أن كثيرًا منهم يكتفون بالاطلاع على الأسعار التي باتت فوق طاقتهم. كذلك شراء الحلويات بات محدودًا ومختلفًا عن الأعوام السابقة؛ فالمحال الشهيرة أغلقت أبوابها وانتشرت بسطات “المعمول” المصنع منزليًا؛ وكل هذا وسط توجس الأهالي من تكرار سيناريو العيد الماضي الذي طالعهم بقصف المنطقة ليلة العيد.
وإذ سبق وذاق أبناء الريف لوعة فراق أحد أفراد عائلتهم معتقلًا أو شهيدًا، فالمفقود الجديد هذا العيد سيكون لمة من تبقى من العائلة التي بعثرها النزوح؛ فيما يعيش آخرون مفارقة عجيبة بتهنئتهم بترك الديار والأحبة تحت الحصار، وبغياب الدعوات بالعودة عن الألسن -كما عن الأذهان؛ فمريم التي تمكنت قبل أيام من مغادرة دوما تقول “بات خروجنا معجزة… معجزة تستحق التهاني كالعيد.. بل وأكثر”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :