الروبوتات السورية مكتومة القيد
عنب بلدي – علي بهلول
لم يمرّ خبر منح روبوت جنسية وجواز سفر سعودي مرور الكرام من أمام مجموعة من السوريين الذين وصلهم الخبر أمامي.
“يفضح عينها شو واسطتها تقيلة” تمتم أحد الشبان، قبل أن يُكمل زملاؤه بقية الخبر، “أنثى واسمها صوفيا كمان”، يضحكون قليلًا ثم يلوذ الجميع بالشرود.
“صوفيا، شو حلو اسمها” تقول الفتيات اللواتي شاركن بنقل الخبر، ولو بحثت عن فيديوهات لها على “يوتيوب”، لعثرت على مداخلتها المترجمة في جلسة “مبادرة مستقبل الاستثمار” التي جرت في الرياض، وهي واحدة من فعاليات الإعلان عن بدء بناء مشروع “نيوم” في السعودية.
و”نيوم” عبارة عن منطقة اقتصادية ضخمة بمبلغ 500 مليار دولار، ويُشكل خطوة لتوجه المملكة نحو الاعتماد على قطاعات مثل الصناعة والترفيه وغيرها في دعم اقتصادها، بدل الاكتفاء بصادرات النفط الخام وحده.
النظر إلى كل هذه الأحداث التي تعيشها المملكة منذ تسمية الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد، والمسؤول عن مشروع “نيوم”، قد يكون إيجابيًا لشريحة واسعة من الناس وفق معايير التطور عمومًا، بحال تم فصل هذه القرارات عن سياقها العام، كأن يكون مشروع “نيوم” هذا في المريخ.
صوفيا، روبوت يحصل على جنسية وجواز سفر سعودي، في كوكب الزهرة، كم يبدو هذا عالمًا مثاليًا، ونحن ننظر إليه من على أرض الكويكب الذي دخل مجموعتنا الشمسية قادمًا من مجرة لا نعرفها قبل أيام، ويسير بسرعة هائلة للخروج من مجرتنا إلى غير رجعة، بحسب وكالة “ناسا”.
لكن السعودية تحتل مساحة واسعة من جنوب غرب قارة آسيا على كوكب الأرض، ويصدف أن لها بلدًا شقيقًا في نفس القارة يواجه سكانه مشكلة خطيرة مع “مكتومي القيد” والـ “بدون”، وفاقدي الأوراق الثبوتية، سوريا.
تذبل الأحلام الوردية السابقة سريعًا، وربما لو كان وردًا صناعيًا مع بعض الأصباغ لكان أوفر حظًا، كوجه صوفيا الجميل الذي اقتنص جواز سفر على حين غفلة.
ما علاقة السوريين؟ ليس لهم علاقة سوى أن مشروع “نيوم” يسعى لأن يكون نموذجًا للتطور الحضاري، ولأنه لا يمكن النظر إليه بمعزل عن السياق العام، فإن أزمة عالمية مثل أزمة السوريين لا بد أن ترمي بظلها الثقيل على أي محاولة تطور حضاري وإنساني.
صوفيا حصلت على جنسية كبادرة رمزية لما سيكون عليه مشروع “نيوم” مستقبلًا، وفق ما أوضح المستشار في ديوان ولي العهد، سعود القحطاني.
ومن بين جميع الروبوتات التي اخترعها الإنسان تحظى صوفيا التي صممتها شركة “هانسون روبوتيكس” بميزة مهمة، هي قدرتها على محاكاة عواطف البشر، والتفاعل مع مشاعرهم، والتعبير بدورها عن مشاعرها من خلال ملامح وجهها، إنها باختصار تمثل ذروة الذكاء الصناعي الذي وصل إليه الإنسان حتى اليوم، ولذلك تستحق جنسية بلدٍ مقبلٍ على الانفتاح.
لكن ماذا لو كانت صوفيا هذه “سورية”؟ غالبًا لم تكن لتحضر مؤتمر “مستقبل الاستثمار” بسبب عدم منحها فيزا لدخول السعودية.
لو كان لصوفيا أطفال جميلون مثلها في لبنان، لانضموا إلى مئات آلاف الأطفال السوريين بائعي المحارم والورود في طرق بيروت، لأنهم “مكتومو القيد” ولا يحق لهم التعلم في المدارس، ومستقبلًا لن يحملوا جواز سفر سوري، ولا سعودي حتى، ولا توجد إحصائية رسمية لهم إذ يتم تقديرهم بين 150 إلى 640 ألف طفل بلا أوراق ثبوتية.
لو كانت صوفيا لاجئة في تركيا، لفاتها مؤتمر الاستثمار لأنها عالقةً في الطوابير الممتدة أمام القنصلية السورية في اسطنبول، مع عشرات الآلاف من البشر الذين يُجيدون التعبير عن مشاعر إنسانية حقيقية وصرفة، وليس مجرد محاكاتها.
ليس هناك من رابط بين السوريين و”نيوم” سوى محاكاة صوفيا للتعابير الإنسانية، التي فشل السوريون بإتقان إيصالها للعالم منذ اكتسابهم لاسمهم قبل أكثر من أربعة آلاف عام، حتى سقطت عنهم كل جنسيات العالم، وتُركوا لنهب البعثات الدبلوماسية لنظام بشار الأسد، الذي لا تعترف الدول العالم سوى بوثائقه، كوثائق “شرعية”.
يرى بعض المتابعين أن هذا التحول الجذري الذي تعيشه السعودية يعود إلى عجز مساعد وزير الخارجية الأمريكية، ستيوارت جونز، عن الإجابة على سؤال صحفي حول علاقة أمريكا بدولة مثل السعودية لا تراعي القيم الديمقراطية، في أيار الماضي.
السؤال وضع الإدارة الأمريكية على المحك أمام الرأي العام، وهذا ما دفعها إلى دعم وصول محمد بن سلمان، ابن الـ 32 عامًا، إلى مستوى يسمح له باتخاذ القرار، وهو أول شاب يصل إلى ولاية العهد في المملكة.
شائعات متداولة تقول إن ولي العهد ينوي خلع لقب خادم الحرمين عن الملك السعودي بعد جلوسه على العرش، أي أنه سيفصل السلطة السياسية عن الدينية في حكمه، في محاولة لمجاراة القيم الديمقراطية التي وضعت أمريكا في موقف حرج، بحسب الإشاعة التي لم يتسنّ لنا التأكد من صحتها أو مصدر إطلاقها بين الناس.
“الأهداف سياسية وليست إنسانية” يقول بعض المعلقين على تغريدة مستشار ديوان ولي العهد، الذي أعلن عن منح صوفيا الجنسية، ويُشيرون إلى ملايين البشر ومن بينهم السوريون فاقدي الأوراق الثبوتية.
“يا ريتني روبوت” يقول مصطفى، الذي يحاول منذ سنوات السفر إلى خطيبته التي تعيش في السعودية، أو أن يأتي بها إلى تركيا حيث يعيش.
“هاد الكويكب يلي اكتشفتوا ناسا لازم يطلع بسرعة من مجموعتنا الشمسية قبل ما يبلوه بشي جنسية” يرد عليه زميله عبد ساخرًا. “إي يا ريتني كويكب لكن” يضحك الجميع وينصرفون إلى أعمالهم بشرود، وفي ذهن كل منهم أمنية دفينة بأن يتزوجوا صوفيا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :