تعا تفرج
حافظ الأسد أبو الحنفية
خطيب بدلة
على سيرة منع تداول الألقاب في سوريا، أقول إن السوريين مولعون جدًا باختراع الألقاب وتداولها، سواء في السر أو في العلن. فمثلًا، حافظ الأسد، الذي اخترع له مؤيدوه قائمة ألقاب بطولية أطول من حبل الجب، أطلق عليه الناس المكتوون بنار ديكتاتوريته ألقابًا هازئة، وذلك انسجامًا مع الحكمة التي أطلقها الشاعر الكبير “معروف الرصافي” حينما قال:
لا يخدعنّك هتاف القوم في الوطنِ
فالقوم في السرّ غير القوم في العلنِ
في بلدة معرتمصرين، كان صديقنا “أبو رشدو” يفتح التلفزيون في موعد المسلسل اليومي، فيجد أن نشرة الأخبار التي تغطي وقائع مسيرات التأييد للأسد المنقولة إما من دمشق أو من المحافظات الأخرى تلتهم الوقت المخصص للمسلسل، فيطفئه، وحينما تأتي “أم رشدو” من الغرفة الثانية وتسأله: ليش طفيته؟ شو طالع؟
يجيبها وهو في قمة السخرية والغيظ: طالع “أبو الحب”.
وفي بلدة كفرنبل كان والد صديقنا رافع يسمي حافظ الأسد (أبو صِنْدِيحَة). وفي شرح المفردات الصنديحة هي الجبين، أو الجبهة حينما تكون أعرض وأعلى من الجباه الطبيعية. ومن أطرف ما روى رافع أنه حينما كان فتى (عَجِيًّا) ضَبط أباه متلبسًا بالفرجة على نشرة الأخبار، وحينما ظهر حافظ الأسد قال له: تضرب في صنديحتك.
وحينما التفت ووجد ولده “رافع” موجودًا في المكان خاف، وقعد يلاطفه ويستعطفه ويشرح له أنه كان يسب على صنديحة جارهم أبي إبراهيم الذي غشه ببقرة باعه إياها بعدما حلف بالطلاق أنها تحلب رطلًا من الحليب في كل مرة، وإذا بها لا تحلب أكثر من “عريم” أي ما يملأ اليدين!
لم يقتنع رافع بالحكاية التي لفقها أبوه وراح يستغله قائلًا: قسمًا بالله بقول أشو حكيت عَ أبو صنديحة!
وكان أول ثمار هذا الابتزاز أن كف أبوه عن ضربه، وصار يأخذ عشر ليرات خرجية يومية بينما كل واحد من إخوته يأخذ خمسة!
ذات مرة، ضاقت أحوال الشعب السوري، إذ ارتفعت نسبة التضخم النقدي، والراتب الذي كان يكفي لنهاية الأسبوع الثالث من الشهر أصبح يتبخر خلال عشرة أيام، هذا عدا عن ازدياد سطوة المخابرات، وتواتر حملات الاعتقال، وازدياد معدل مُسَيَّرات التأييد، وفجأة بدأ الإعلام يروج لخبر مفاده أن القائد الملهم، الرمز، سيد الوطن، بطل التشرينين، الـ.. سيلقي خطابًا يهم الإخوة المواطنين. فتجمع الناس حول أجهزة التلفزيون والراديو، وكلهم أمل بأن يتحدث عن أحوالهم المعاشية، ويعطي توجيهاته بزيادة الرواتب وكبح الأسعار.
ما حصل أن الأسد أمضى أكثر من نصف ساعة وهو يتحدث عن المؤامرات الخارجية وعوامل الصمود الداخلية، حتى إذا ما انتقل إلى الوضع الداخلي قعد يحكي عن المواطن الحقير (المتآمر) الذي يرى حنفية تنقط ولا يهب لإصلاحها، وأعطى توجيهاته لأن يعامل هذا المواطن بالتنديد والتشهير والإدانة.
انقسم أهل سوريا يومها إلى قسمين: الأول هو أهل مدينة دمشق الذين أطلقوا عليه لقب “أبو الفيجة” وباقي السوريين لقبوه: أبو الحنفية!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :