"أوليغارشية" تسيطر على السوق
تصادم أصحاب القوى يربك سوق الصرف في سوريا
عنب بلدي – مراد عبد الجليل
سيطر سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية على حديث المواطنين والشارع السوري خلال الأسبوعين الماضيين، بعد التحسن المفاجئ الذي شهدته الليرة أمام الدولار، وانخفاض سعر الصرف إلى 480 ليرة، وما رافق ذلك من قرارات للمصرف المركزي حول الحوالات المالية.
التحسن طرأ على السعر في “السوق السوداء”، لكن المصرف أبقى على سعر الصرف لديه، والبالغ 510 ليرات للمبيع و508 ليرات للشراء، ما طرح عدة تساؤلات حول قرارات المصرف فيما يخص الحوالات المالية.
بوادر خلاف بين المصرف وشركات الصرافة
”المركزي“ أصدر، الثلاثاء 31 تشرين الأول، قرارًا منع بموجبه سحب أكثر من حوالة مالية واحدة في الشهر، أو تصريف العملات الأجنبية أكثر من مرة واحدة في الشهر الواحد، في مختلف قطاعات المصارف والصرافة.
واشترط المركزي استلام الحوالة بالليرة السورية إذا كانت أقل من 500 دولار أمريكي، أما إذا كانت أكثر من ذلك، أو استلم الشخص أكثر من حوالة في الشهر، فيُمنع سحبها ويتوجب إبقاؤها وديعة في البنك لمدة ثلاثة أشهر، وفي حال أراد الشخص سحبها قبل ثلاثة أشهر فإنه يأخذ قيمتها بالليرة السورية حصرًا، بعد دفع عمولة قيمتها 10% من قيمة الأموال، ما جوبه بموجة غضب من قبل المواطنين، خاصة وأن الكثيرين يعتمدون على الحوالات المالية التي تأتيهم من خارج سوريا لمجاراة الواقع المعيشي الصعب.
الباحث الاقتصادي، يونس الكريم، اعتبر أن الهدف من قرارات المصرف هو إعادة التوازن لسعر الدولار بين سعر ”المركزي“ وسعر “السوق السوداء”، ودفع جزء من السوق إلى التصريف عبر المصرف التجاري كون سعره أعلى من سعر “السوق السوداء”، إضافة إلى وجود بوادر خلاف مع شركات الصرافة والتخوف من تجمع الكتلة النقدية بأيدي تجار كبار ومضاربتهم على الليرة السورية مستقبلًا، فأراد ”المصرف“ تجميد عمل شركات الصرافة بهذا القرار.
تعرف الأوليغارشية أو ما يسمى بحكم القلة، بأنها أحد أشكال الحكم الذي تكون السلطة السياسية فيه مقتصرة على فئة اجتماعية صغيرة، تتميز إما بثرائها أو نسبها أو سلطتها العسكرية، وتعتبر من أنظمة الحكم التي لا تحترم القانون، وهي تشير في العصر الحديث إلى الحكومات التي لا تملك الأرضية الجماهيرية، فتلجأ إلى الاعتماد على دوائر التأثير في السلطة كأصحاب رؤوس الأموال أو الصناعيين، أو تعتمد على نفوذ أجنبي. |
ويأتي تجميد عمل شركات الصرافة عن طريق دفع السوريين بالخارج إلى إيجاد قنوات أخرى غير الشركات من أجل تحويل الأموال إلى عائلاتهم داخل سوريا، لأن المواطن لا يريد أن يضطر لإيداع نقوده ثلاثة أشهر في المصرف إذا حول 500 دولار وما فوق، إضافة إلى أن المواطن في حال قرر إرسالها على دفعتين (200 و300 دولار) فالخسارة ستكون مضاعفة، كونه سيخسر سعر التحويل الذي يحسب على سعر 480 ليرة وليس 510، إضافة إلى تكاليف التحويل، وبالتالي سيبحث عن أساليب أخرى.
في حين اعتبر الدكتور في الاقتصاد واستراتيجيات الإدارة، عبد الرحمن الجاموس، أن “هذه عقلية عصابة”، مؤكدًا أن “هدفين وراء التحكم بالحوالات وفرض أتاوات عالية عليها لصالح البنك المركزي، الأول من أجل ترميم الاحتياطي الذي تم تبديده خلال سنوات قليلة، والثاني إنعاش السوق السوداء التي تسيطر عليها (قلّة أولغارشية)“، مشيرًا إلى وجود تخبط واضح في قرارات المصرف الذي يحاول “تقزيم دور شركات الصرافة”.
من جهتها قالت وزيرة الاقتصاد السابقة في حكومة النظام السوري، لمياء عاصي، عبر صفحتها في “فيس بوك”، الاثنين 30 تشرين الأول، إن ”سلوك المصرف المركزي بتصريف الدولار بسعر أعلى من السوق غير مفهوم إطلاقًا، ويشبه تمامًا بدايات الأزمة في سوريا، عندما باع المركزي الدولار بأقل من سعر السوق، وفي الحالتين اسمه تشوه سعر تدفع الدولة قيمته“.
وطالبت المصرف بالكف عن هذه التصرفات التي “لا تعكس خبرة ولا معرفة بأسس عمل الأسواق“، بحسب تعبيرها.
تصريحات إعلامية غير واقعية
الغضب الذي رافق القرار دفع حاكم المصرف، دريد درغام، إلى تبريره عبر صفحته في “فيس بوك”، بأن “تحديد السقوف بعتبة 500 دولار تمت بناءً على تحليل للحجم الوسطي للحوالات الواردة، إذ تبين أن معظمها من مرتبة 500 دولار، وبالتالي يتم وضع التعليمات على أساس الأغلبية”، معتبرًا أن الحملة الإعلامية التي رافقت القرار محاولة لـ “إرباك السوق لغايات المضاربة على الليرة، واستقرار نشاط الصناعة والتجارة الذي تم من خلال تناغم السياسة النقدية مع سياسات الاستيراد والتصدير والإنتاج والتوظيف”.
لكن الكريم اعتبر أن تصريحات درغام إعلامية غير واقعية، فالحد الأدنى لمستوى المعيشة لعائلة داخل سوريا يتخطى 500 دولار (حوالي 240 ألف ليرة) بحسب مراكز أبحاث داخل سوريا، في حين أن مستوى الرواتب لا يتجاوز 50 ألف ليرة، وبالتالي النقص يتم تغطيته عادة عبر الحوالات المالية.
ونقلت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، الأربعاء 1 تشرين الثاني، عن أحد المدراء في المصرف قوله إن “قيمة المشتريات اليومية من الدولار لدى المصرف التجاري تقترب من ثمانية ملايين دولار يوميًا، بسبب زيادة عدد مراجعي المصرف لبيع الدولار”.
إلا أن تصريح المدير، كسابقه درغام، إعلامي وغير واقعي، بنظر الكريم، لسببين، الأول أنه لم يحدد من هو المشتري للدولار، فإن كان يقصد دولار الاستيراد فهذه الكتلة تعبر أن التجاري المصدر الأول بالدولار، وواقع التصريحات، بما فيها المركزي، يشي بغير ذلك، وهو عدم تمويل التجاري لعمليات الاستيراد.
أما لو قصد بها المواطنين فهم يتجنبون التصريف في المصادر الرسمية خوفًا من الرقابة الأمنية من جهة، ومن جهة أخرى لم يعد لديهم مدخرات من الدولار بسبب الواقع المعيشي الصعب وارتفاع الأسعار، إذ بات الكثير منهم يعتمدون على الحوالات المالية من الخارج، إضافة إلى أن المصرف التجاري بكامل طاقته لا يمكنه القيام بعمليات شراء الدولار المعلن عنه يوميًا، باستثناء أن يكون المصرّف تاجرًا، لأن المصرف منع التصريف للشخص الواحد لأكثر من مرة واحدة فقط شهريًا.
سعر الصرف في السوق السوداء
وإلى جانب قرارات المصرف المركزي انتشرت تساؤلات حول أسباب انخفاض سعر الصرف في “السوق السوداء” والفارق الكبير مع سعر المصرف الذي يصل إلى 30 ليرة تقريبًا.
الكريم أرجع تحسن الليرة إلى لعبة من قبل التجار الذين يحاولون جمع الدولار من السوق قبل إعادة رفعه مجددًا، إضافة إلى “وجود تصادم بين أصحاب القوى المالية والنقدية”، معتبرًا أن تحسن الليرة هو ظاهري فقط.
وكان بعض المحللين الاقتصاديين، أرجعوا سبب تحسن الليرة إلى عدة عوامل منها الاتفاقيات التي أبرمها النظام السوري مع روسيا من أجل توريد القمح، إضافة إلى سيطرة قوات الأسد على بعض آبار النفط والغاز.
لكن النظام السوري يحتاج إلى شراء الدولار لتسديد قيمة الاتفاقيات، ما سيؤدي إلى عرض الليرة السورية أكثر في السوق، وبهذه الحالة يرتفع الدولار ولا ينخفض، إضافة إلى أن كافة آبار النفط الذي سيطر عليها النظام خارج الخدمة حتى الآن.
وبالرغم من تحسن الليرة السورية إلا أن ذلك لاقى غضبًا في الشارع السوري من استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأساسية، وسط مطالبة التجار، الذين كانوا يتخذون الدولار شماعة لرفع أسعارهم، بتخفيضها، وتساءل مواطنون عن سبب انخفاض بعض السلع مثل السكر والزيت والشاورما دون غيرها.
لكن انخفاض سعر سلعة واحدة تدعمها الدولة لا يعني أن أسعار السلع انخفضت، بحسب الكريم، الذي أكد أن نزول سعر السلع نزولًا حقيقيًا، يتوجب استمرار دورة سلعية كاملة، والتي تأخد من 15 إلى 45 يومًا وربما تستمر ثلاثة أشهر حسب السلعة.
أما انخفاض الأسعار الآن هو عبارة عن أيام، باستثناء بعض السلع غير الأساسية مثل الشاورما التي أصبحت من الرفاهيات لكثير من الشعب السوري، في حين أن السلع الأساسية (الحليب وحليب الأطفال والخبز والطحين) بقيت على حالها.
وبحسب توقعات محللين اقتصاديين فإن سعر الصرف سيعاود الارتفاع مجددًا خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة، لأسباب أولها أن الميزانية العامة للدولة لعام 2018 المعلن عنها من قبل وزارة المالية في حكومة النظام وضعت على أساس سعر صرف 500 ليرة للدولار الواحد، إضافة إلى وجود قرار دولي بتثبيت سعر الصرف فوق 500 كما يحصل في لبنان.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :