قنديل ضاهر
«العدوان والظلم مسلّطان علينا نحن اليوم، المسالمون الآمنون في بيوتنا، سواء كنّا هنا في حمص أم حلب أم كنّا هناك في غزّة، كلنا واحد كضحيّة، والحديد والنار من منبع واحد».. بهذا يجيب العم أبو محمد بعد سؤاله عن رأيّه بما يحدث للفلسطينيين في غزّة.
ربما تكون هذه المنطقة هي الأسوأ للعيش الآمن والرغيد، أو على الأقل لينال الإنسان أبسط حقوقه (حقّ الحياة)، فليس هناك يوم واحد يمضي إلّا ويمضي معه الكثير من الأبرياء العرب والمسلمين.
وبوضوح فالمشكلة الإنسانيّة الكبرى اليوم لهذا العالم هي سوريا، قتل ودمار وتهجير للإنسان عن أرضه بأبشع الطرق والوسائل، بعد أن طالب هذا الإنسان البسيط بحقّ الحريّة، لينضّم له أخوه الفلسطينيّ في درب المعاناة والموت، لأنّه صامد ويحفظ حقّه بالتمسّك بالأرض.
تقول آية، وهي طالبة جامعيّة، «أتابع ما يجري في غزّة بغصّة وأفكّر كيف تغيّرت ردّات أفعالنا وانفعالاتنا، فقبل ثورتنا وما فعله نظام الأسد، كنتُ أبكي دائمًا، وأسهر وأتابع وأحرق دمي وأناقش في كل شيء أراه، أما اليوم فأتابع ببرود أكثر وباهتمام أقل، ولكنّ الشيء الذي لم يتغيّر هو نذالة الجوار، فلا
تجد من الدول العربيّة شعوبًا وحكومات أي تضامن مع غزّة أو معنا، وكلّ ما يفعلونه الكلام فقط»، وتتابع آية «ولكن يبقى هناك سحر خاص لكلّ شيء فلسطينيّ لأنّ الصراع نقيّ وألوانه بلا حياد وبلا تداخل».
الإنسان السوري يقف مع أخيه الفلسطيني، وهو أخوه في الظلم والموت، ولكنّ المفاجأة أنّك تجد بعض الذين لم يتفوهوا بحرف تضامنًا مع إخوتهم في ريف دمشق وحلب، بل وجيرانهم في الحيّ المقابل، «يبكون» اليوم على شهداء غزّة، وفي هذا يقول العم أبو محمد «تفاجأت عندما رأيت بعض الناس يتكلمون بحزن وأسى شديدين على ما حلّ بأهل غزّة اليوم، وقد كانوا البارحة يسهرون إلى وقت متأخّر
في المقاهي يشاهدون المباريات وهم يصرخون فرحًا بفوز فرقهم، في الوقت الذي لم تتوقّف معه أصوات قصف ودكّ حي الوعر، الذي لا يبعد بضع كيلومترات».
ولكنّك تجد أن أغلب أهل حمص، يصرخون غاضبين، يدعون الله بقلب ضعيف أن ينصر فلسطين وأهلها؛ «على شو بدنا نلحق نزعل، عالبلد ولا غزة ولا فلسطين، والله تعبنا يا خالة، وربّنا ينتقم من اسرائيل وإيران وبشار»، بحرقة قالتها أم وائل.
ربما يكون ما يتعرّض له أهل غزة اليوم أخفّ مما تعرّض له أهل حمص، فالمدينة مدمّرة بشكل شبه كامل وهُجّر أغلب أهلها، وقُتِلَ بعضهم بأبشع الطرق، لأسباب طائفيّة واستبداديّة، تقول ندى، وهي شابة من سكان المدينة، «ربما يكون رأيي سلبيًا ومشاعري صفر بسبب ما عانيته هنا، ولكنّني أرى الفلسطينيين يموتون بسبب عدوّ واضح، ليسوا مثلنا، الأهل والأصدقاء يقتلون بعضهم البعض، حتّى أصبحنا لا نعرف الصالح من الطالح، وأرى أنّ لديهم إيجابيّة بحربهم، وهي أنهم يستشهدون بصواريخ وغارات، فهم لا يتألمون كثيرًا، أمّا عندنا فأصبح للموت فنون كثيرة، لتعذيب الإنسان قبل قتله» وتتابع بيأس «هيك صارت القصة؛ مقارنة!».
أمّا عن سياسة إسرائيل في المنطقة وعلاقتها بما يحدث في سوريا، فيحدثنا طالب الهندسة الكهربائية محمّد «لا أرى أن إسرائيل تنجرّ لردّات فعل، لديّ حذر من التفسير الذي يقول بأنّ التصعيد حدث على خلفية اختطاف وقتل ثلاثة مستوطنين، وهذا شيء لمسته عند النظام السوري، فعندما تكون الحكومة بصدد سياسة تهدئة في حمص تجد الحارات الموالية لها تشتعل بالسيارات المفخّخة وقذائف الهاون»، ويتابع محمّد تحليله «بما أنّ التحقيق الإسرائيلي لم يعرف القتلة بعد، فهذا يعطي مؤشرًا أن الفاعل هو الموساد أو بالتواطؤ معه، ليتم إيجاد خاصرة رخوة تسمح بالعملية على غزّة، وحسب نتائج هذه الحملة سنعرف ماذا تريد إسرائيل من تصعيدها»، ويختتم قوله «كل ما يحصل في سوريا هدفه الحفاظ على أمن إسرائيل ولكنْ يبدو أن أمنها هش؛ بفعل صواريخ حماس فقط!».
تختلط المشاعر وترتبك عندما تكون بحالة حرب فظيعة دمرّتْ أحلامك وأحرقتْ أرضك، فتجد إخوتك في فلسطين يقبعون تحت احتلال متواطئ مع حكومتك، لتكره المنطقة التي خلقت فيها، ولا تعرف هل ستدعو لأهل سوريا أم لأهل غزّة؛ ولكنّ شيئًا واحدًا تغيّر كما يقول أهل حمص «الآن شعرنا بما يشعر به أهل فلسطين».